بحث ..

  • الموضوع

خطبة سماحة شيخ العقل رئيس المجلس المذهبي، بمناسبة حلول عيد الفطر السعيد.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالَمين، والصّلاةُ والسّلام على نبينا محمد سيد المرسلين، وآله وصحبه أجمعين.

قال رسولُ الله صلّى اللهُ عليه وسلّم: قال الله تعالى: “كلُّ عملِ ابْنِ آدَمَ لـهُ إلَّا الصِّيامَ فإنَّهُ لِي وأنا أَجْزِي بهِ”. ومن كلّ وجوهِ التفسير، يبقى أنَّ سرَّ الإخلاصِ فيه هو لهُ عزَّ وجلَّ، ﴿إنَّ اللهَ علِيمٌ بذاتِ الصّدُور﴾ (المائدة: 7). لذلك، فإنَّ فرَحَ العيدِ هو فَرحٌ بالفِطر، إذْ يرضَى العبدُ بالخيْر الّذي ارتضاهُ وسعى إليه فاستحقَّ النِّعمةَ، وأيضًا هو فرَحٌ محفوظٌ لدَى مَن لا يظلِمُ مِثـقالَ ذرَّةٍ ﴿فَاللهُ خيْرٌ حافظًا و هُوَ أرحَمُ الراحِمِين﴾ (يوسف: 64)، وفي الحديث الشَّريف: “للصَّائمِ فرْحتَانِ يفرَحُهُما؛ إذا أفطَرَ فرِحَ، وإذَا لقيَ ربَّهُ فرِحَ بصوْمِهِ”.

ولكن الأمرُ معقودٌ بسرِّ الإخلاصِ، ليسَ فقَط فيما اكتسبَ المرءُ فيهِ من زكاةِ صالِح الأعمال في الطَّاعةِ والتزامِ الحدّ، بل أيضًا، وهوَ الأدقُّ والأخطر، فيما اعتقدَهُ وانتواهُ وأوْفى به بصفاءِ نيّـةٍ وطهارةِ قلْب، في طلبِ فضيلةٍ كرَّمهُ بها اللهُ عزَّ وجلّ، وأرادها لهُ كي يحقِّقَ المعنى الإنسانيَّ الأرقى، لأنَّه بهذا المعنى الشَّريف يحملُ روحَهُ إلى حيثُ وجه الله، أيْ يتيقَّظ من غفلةِ الدنيا إلى الحقيقة التي حملَها القرآنُ الكَريمُ إلينا في شهرٍ مُبارَك ﴿فَأيْـنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيم﴾ (البقرة: 115).

رجاؤنا، أيّها الإخوةُ المؤمنُون، أن تكونَ لمعاني هذا العيدِ المبارَكِ مرآتُها في نفوسِنا التي تنعكِسُ فيها حقائقُ أعمالِـنا بما نستحقُّ به رحمةَ الله العفُوِّ الرَّحيم. فالمؤمنُ، بهذا الاتّفاقِ الميمونِ بين ظواهرِ الأعمال وبواطنِ الأحوالِ يكونُ بركةً في بيتِه ومجتمعِه. “وكلُّكُم راعٍ” في نِطاقِ ما هو عنهُ مسؤول. والغايةُ من الدِّينِ كمالُ الإنسانيَّةِ، قالَ الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلَّم “إنَّـما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق”، وحدُّ الأخلاقِ الموصُولةِ بمقاصدِ النبيِّ الكريمِ هو “الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَر”، وهذا الحدُّ، لو علمنا، هوَ جامِعٌ لكلِّ مَحمَدةٍ ومأثَرة، ونابذٌ لكلِّ مَذمَّةٍ ومَثْلَبَة. ولا يكونُ المسلمُ اسْمًا على مُسمَّى ما لم يكنْ هذا الحدُّ عهدَهُ ودأبَه وغايةَ مبتغاه.

علينا أن نشهدَ، بأعمالِنا ومسالكنا، على التحقُّق الإنساني بالمعنى السامي النبيل لكلمة الله. إنَّه لا يمكنُ أن تُقطَفَ ثمرةَ الفضيلةِ الرّبّانيَّة بــإهمالِ ما من شأنه أن يرقى بالكرامةِ الإنسانيَّة إلى ما يليقُ بها من سموِّ النزاهةِ والشَّرف. وإنْ عَجَز العالمُ، بحالتِه الراهنة التي أوصلَهُ إليها صراعُ الدول والمصالِح، عن تجسيدِ قيَم العدالةِ والإنصاف والحرّيّةِ الحقيقيّة، فإنَّ المؤمنَ الصادقَ لا يمتثلُ إلَّا بما يُمليهِ عليه الحقُّ ونقاءُ الضمير وخالص السَّريرة.

علينا ان نقارب مسائلنا الاجتماعية بالتمسك بجذور التوحيد الذي هو الطريق الوحيد للسعادة الحقيقية. وعلينا، ان نقارب مسائلَنا الوطنيَّة بما ينسجمُ مع إيماننا العميق بالخَيْر. والسياسةُ، وفقا لهذا الإيمان، هي العمل بمسؤوليَّةٍ والتزامٍ أخلاقيّ تجاه الشعوب التي تمنح بأصواتها شرعيَّةَ الحكم باسْمها. ونستبشرُ خيرًا كلَّما انعقدت تسويةٌ على قاعدة الحوار والتفاهُم والشراكة آمِلين أن يكونَ هذا النهج دافعًا، في الأساس، إلى تحقيق المصالح الوطنيَّة العُليا. اما وقد اصبح لنا قانون انتخاب جديد ، الّا ان المرحلة تستلزم الانصراف الى معالجة حكومية وتشريعية لقضايا الناس وهمومهم المعيشية، واهم تلك الملفات اقرار الموازنة العامة للبلاد وتصويب الوضع الاقتصادي وإقرار سلسلة الرتب والرواتب في اطار واضح ومحدد يضمن معالجة مكامن الهدر والفساد في إدارات الدولة وقطاعاتها المنتجة.

إنَّ شعبَنا يتطلَّعُ إلى الخروج من نفق التجاذبات. فلا بدّ من ايجاد الحلول الناجعة لملفات الطاقة والمياه ، وانهاء مشكلة النفايات ومكافحة تفلّت الجرائم والمخدرات وغيرها. إنَّ المعالجات الجادّة والغعّالة لهذه الأمور تُسهمُ في ما نريدُه لوطننا من صمودٍ في وجه العواصف والأخطار المحدقة التي يعرفها الجميع. إنَّـنا نحيِّي أصحابَ الجهود المخلصة الدافعة في هذا الاتّجاه.

 وقناعتُنا هي أنَّ الاستقرار السياسيّ، وانتظام المؤسَّسات الدستوريَّة في عملها وحسن أداء مهمّاتها التي انوجدت من أجلها، هي الأساسُ المتين للدعم المطلوب للجيش اللبناني وسائر القوى الأمنية الذين يؤدّيان أدقّ المهمّات وأخطرها دفاعًا عن لبنان وشعبه، وسيادته وحرّيته، وصونًا للأمن الوطني.

اننا في هذه المناسبة المباركة، ندعو الى تكريس مبدأ المواطنة فعلاً لا قولاً عبر المناهج التربوية الخاصة والعامة والاحترام التام لآداب الاختلاف.وندعو الى وحدة إسلامية حقيقية تكون بمستوى التحديات الخطيرة التي تواجهها الأمة في مختلف أصقاع العالم، حيث التطرّف يشوّه صورة الإسلام، وقد كانت محاولة التفجير المدانة والمستنكرة قرب الحرم المكّي المكرّم خير دليل على حجم هذه التهديدات السافرة التي تشكّل تهديداً لكل العالم الإسلامي، في الوقت الذي تنتقل فيه مشاهد إراقة الدماء بين دول المنطقة واحدة تلو الاخرى، فيما محاولات الحلول لا تزال قاصرة عن أي علاج جدّي، وفلسطين بأرضها وشعبها ومقدّساتها تواصل درب الجلجلة في ما تقاسيه من احتلال وعدوان غاشم.

إنَّنا نتقدّم من كلّ اللبنانيّين والعالمين العربي والاسلامي باحر التهاني بسؤال المباركة لهُم في هذا العيد، سائلين الله تعالى أن يمنَّ عليهم على الدوام ببركاته وبرحمته في حفظهم وحفظ وطنهم من كلِّ غائلَة، وأن يُنعمَ عليهم بسلامه، متضرِّعين إلى الباري عزَّ وجلَّ ان يحفظ وطننا، وأن يُفرجَ كلَّ كُربةٍ عن الشعوب الرازحة تحت ويلات صراع المصالِح، وأن ينعمَ علينا وعليها بقدرته وعزَّته بالأمن والاستقرار، إنّه ﴿نِعْم المولى ونعم النَّصير﴾.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

تصنيفات أخرى