بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ}
تعريف الإخلاص :
لغةً : خَلَصَ الشيء صار خَالِصًا وبابه دخل، و خَلَصَ إليه الشيء وصل، و خَلَّصَهُ من كذا تَخْلِيصًا أي نجاه فَتَخَلَصَ، و الإخْلاَصُ أيضا في الطاعة ترك الرياء وقد أخْلَصَ لله الدين. و خَالَصَهُ في العشرة صافاه.
اصطلاحًا: تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين . وقيل: نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق .
وقال الجنيد: الإخلاص سر بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله.
إن أعمال القلوب عموماً آكد وأهم من أعمال الجوارح، و الإخلاص أهم أعمال القلوب، وأعظمها قدرًا وشأنًا؛ به تنال الشفاعة وتغفر الذنوب، ويُصل إلى الرضوان، وتُفرج الكروب.
وهو سرّ من أسرار الله في عباده كما جاء في أثر مروي إلهي: ” الإخلاص سر من أسراري استودعته قلب من أحببته من عبادي” .
وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالإخلاص في العبادة، فقال عزّ من قائل:
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)
ولطالما دعا المؤمنون العارفون، ورفعوا أيديهم إلى الله طالبين أن يرزقهم الإخلاص له وحده وتصفية أفعالهم عن ملاحظة المخلوقين؛ لأنه كما قال الشيخ الفاضل محمّد أبو هلال رضي الله عنه: ” ملاحظة الجاه مقطعة عظيمة عن الله” .
ولا يحصل كمال الإخلاص إلا بصرف الانشغال عما سوى الله، والمجاهدة في بداية العمل و وسطه ومنتهاه، وهو أمر شديد على النفس، وقد سئل سهل بن عبد الله التستري أي شيء أشد على النفس، فقال الإخلاص لأنّه ليس لها فيه نصيب. ولكنه متى توطّن قي القلب استحال صدور الذنب كما قال تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين).
قال الإمام علي (ع): “طُوبى لمَن أخلص لله العبادةَ والدعاء، ولم يشغلْ قلبَه بما تراه عيناه، ولم يَنسَ ذِكرَ الله بما تسمع أُذُناه، ولم يحزن صدرُه بما أُعطيَ غيرُه”.
وإذا غرست شجرة المحبة في القلب، وسقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب ، أثمرت أنواع الثمار وآتت أكلها كل حين بإذن ربها. وجاور صاحبها سدرة المنتهى ووصل إلى محل من القرب سبق به الأولين والآخرين فانصبت إليه هناك أقسام القرب انصبابا وانقشعت عنه سحائب الحجب ظاهراً وباطناً حجاباً حجاباً .
إذا السّر والإعلان في المؤمن استوى فقد عزّ في الدّارين واستوجب الثنا