بحث ..

  • الموضوع

آداب الموحّد

بسم الله الرّحمن الرّحيم

” كُن خَلوقاً تَنل ذِكراً طَيباً “

تعتبر القيم بشكل خاص من الامور الاساسية في حياة الانسان، ومن أهم المقومات الحضارية والاسس الانسانية حيث قيل  ” ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلقٍ حسن”، والانسان وُجد ليعيش داخل إطار المجتمع والحياة الاجتماعية، فهو إذاً بحاجة الى مراعاة الأطر والضوابط الاخلاقية التي من الممكن أن تكون ناجمة عن دينٍ وفكرٍ إلهي أو من صنيعة أفراد المجتمع، وبالتالي فإن وجودها ضروري لتنظيم حياة الفرد والمجتمع معاً على أسسٍ سليمةٍ  وراقية.

صلاحُ أمركَ للأخلاقِ مرجعُهُ                    فقوّم النّفس بالأخلاقِ تَستقمُ

١- الأدب مع الله تعالى:

إن أولى شروط الأدب مع الله تعالى هي معرفته، لأن معرفته سبحانه وتعالى، هي مفتاح الآداب النّفسية والإجتماعية، وهي أسس الخيرات جميعها.

ومعرفته، لا إله إلاّ هو سبحانه كما تجلّت سطورها السّاطعة بالأنوار القدسية، في الكتاب العزيز على لسان خير البريّة إنه هو الواحد الأحد، الفرد الصّمد، الذي لم يلد، ولم يُولد، ولم يكن له كفؤاً أحد، وإنه العليم، اللطيف، الخبير، الحسيب، السّميع البصير، العزيز، القادر…

وبعد معرفته جّل جلاله، وترسيخ هذه المعرفة بقلوبنا، حتى تنزل في قلوبنا منزل اليقين والإطمئنان لا بدّ لنا من التّحلي بآداب العبودية، والإخلاص بها.

 ومن جملة هذه الآداب :

 القيام بحق الطّاعات بشرط الخشوع والوقار، والذّل والإنكسار، وترك الإختيارإلا لِما يختاره لنا الواحد القّهار، العزيز الغفّار، أي أن تكون سائر تقلباتنا وحركاتنا وسكناتنا مطابقةً لما يُرضي الله سبحانه وتعالى. والإقرار بالعجز، والتبري من الحول والقوّة، فما أوتينا من قوّة وجمال، ومال وعزّ وتوفيق… فهو منه ومن جوده وكرمه عن غير إستحقاق نستحقه عنده. وإنما تدفعنا نعمه وخيراته وبركاته علينا إلى الحمد والشكر والتي تصل غايته أي الحمد والشّكر الى العجز عن الحمد والشّكر. كما قال أحد الصّالحين :”إلهي كيف أشكرك، والشّكر نعمة منك”، أي هوالذي يعيننا على الشّكر، ويوفقنا إليه.

وكذلك العبودية الحقّة تُلخّص بأربع كلمات ذكرها أحد الصّالحين ألا وهي:” الوفاء بالعهود، والحفظ للحدود أي المفترضات الدّينية، والرّضا بالموجود، والصّبر على المفقود.”

٢- الأدب في شخصية الموحّد الذاتية أو الادب الذاتي :

الادب هو ما يتولّد من صفاء القلب وحضوره، وكذلك يتولّد من الحياء والهيبة والشّفقة.

وقال أبو علي الدّقاق (ر): ” العبد يصل بطاعته الى الجنة، وبأدبه في طاعته الى الله تعالى.” وقد قال ابن مبارك (ر): “نحن الى قليل من الادب أحوج منّا الى الكثير من العلم”.

فمن جملة الآداب المطلوبة من الموحّد، كما وردت عن سيدّنا الشّيخ الفاضل محمد ابن أبي هلال الكوكباني نفّعنا الله  ببركاته، وأعاد علينا من صالح دعواته: “فمن جملة الآداب المطلوبة من العبد، أن يكون مخلصاً لله تعالى في سرّه وجهره، مراقباّ لربّه، مسلّماً جميع أموره إليه، متكلاً في السّراء والضّراء عليه، راضياً بقضائه، قانعاً بعطائه، صابراً على بلائه، شاكراً لنعمائه، ملازم الإنكسار، والذّل والإفتقار، خاشعاً لله تعالى، متمسّكاً بحدوده، ملازماً للأوامر والنواهي صغيرها وكبيرها، منصرفاً عن النّواهي جليلها وحقيرها، مهذباً لأخلاقه مستشعراً لخلاّقه، محاسباً لنفسه، ناظراً في عيبه، مقبلاً على ربّه، معرضاً عن عيوب الناّس، خفياً صوته، كثيراً صمته، سادق اللسان، ليّن الجنان، سالم القلب، نقي السّر، حسن الأخلاق، سهل المعاشرة، قليل المنافرة، قليل المنازعة، قليل المراجعة، كثير المتابعة، غضيّ العين، قليل الكلام، قليل الضّحك، قليل المزاح، كثير المروءة، صادق المحبة ، كثير الصّفا، كثير الوفا، قليل الجفا، ذا عفّة ونزاهة وصيانة وقناعة، قليل الحقد، قليل الحسد، قليل الحرص، قليل الطّمع، قليل الغضب، قليل النّزق، قليل الغيبة، قليل النّميمة، حميد الفِعال، كثير الإحتمال، كثير الادب، كثير اللطف، كثير العطف، واسع الصّدر، كثير الإنصاف، لا يحب نفسه على أحد، ولا يرى لنفسه قدراً ولا قيمة، ولا يتكبر على أحد من خلق الله تعالى، إن أكرموه  النّاس تواضع هو في نفسه، وإن أغضبوه صبر و إحتمل…”

فقد استهل سيدّنا الشّيخ الفاضل رضوان الله عليه جملة الآداب المطلوبة من العباد ب :

1- تصفية القلب والأفعال عن ملاحظة المخلوقين أي اعتماد القلب والفعل ملاحظة المخلوقين لكل منهما. وكذلك هو، أي الإخلاص التّوقي عن ملاحظة الخلق، بأن لا يفرح برؤيتهم لما هو فيه العمل ليمدحوه ويصلوه أو لئلا يستنقصوه. والإخلاص قوامه الصّدق وهو التّنقيّ من مطالعة النفس فالمخلص لا رياء له والصّادق لا إعجاب له.

2- المراقبة : وأمّا مراقبة الله عزّ وجل فهي عصب فعّال في جسم الآداب المطلوبة من الموحد، وهي مراعاة السّر لملاحظة الحق سبحانه مع كل خطرة، وقال أبو حفص إذا جلست للنّاس فكن واعظاً لقلبك ولنفسك ولا يغرنّك إجتماعهم عليك، فإنهم يراقبون ظاهرك والله تعالى يراقب باطنك. وقال ذو النّون علامة المراقبة إيثار ما آثر الله تعالى، وتعظيم ما عظّم الله تعالى، وتصغير ما صغّر الله تعالى.

3– المحاسبة :وأما محاسبة الإنسان لنفسه فهي قوام نظام النّفس، وركن أساسي في تهذيبها . وكما قال أحدهم ” فإذا لم يحاسب المرء نفسه في صغير ما يخطر بباله وكبيره ، ولم يفتش عن أحواله كلّها ، ولم يقهر هواه بعقله ، كيف يسلم من خديعة عدوّه الذي هو معه ولا يفارقه طرفة عين، ويسوس إليه بالأغاليط والشّبه …

وإذا نسي العبد ذنوبه ولم تخطر بباله، تكبّرت نفسه وعظمت في ذاتها، وقلّ سؤالها في العفو وهذا مما يوصل إلى الغضب والعقاب، وإذا جعل الإنسان سيئاته منشورة مكتوبة نصب عينه، وجعلها ناراً محرقة، فبذلك يلتجي إلى الله سبحانه وتعالى في العفو والمسامحة، ويُرتجى له عدم المعاودة … فهكذا الذنوب هي المكاوي للنّفوس الحيّة، والميتة ما تحسّ بذلك.

4– الصّمت عن الكلام:

وأما الأدب في الصّمت وقلة الكلام له فوائد جمّة، حيث قال بعض البلغاء : ” إلزم الصّمت فإنّه يكسبك المحبة، ويؤمّنك سوء المغبّة ويلبسك ثوب الوقار، ويكفيك مؤنة الإعتذار . “

وقد قال بعضهم : ” أعقل لسانك إلا عن حق توضحه، أو باطل تدحضه، أو نعمة تشكرها، أو حكمة تنشرها. “

ومن آداب الكلام: أنه لا يتجاوز في مدح ولا يُسرف في ذم ، وإن كانت النّزاهة عن الذّم كرماً، والتّجاوز في المدح ملقاً يصدر عن مهانة ، والسّرف في الذم يصدر عن شر ، كلاهما شين وإن سلم من الكذب . وان لا يندفع إلى الإسترسال في وعد أو وعيد يعجز عنهما ولا يقدر على الوفاء بهما ، وإن قال قولاً حققّه بفعله،  وإذا تكلم بكلام صدّقه بعمله ، وأن يكون مراعياً لمقاصده وأغراضه فإن كان كلامه ترغيباً قرنه باللطف واللين ، وإن كان ترهيباً خلطه بالخشونة والعنف ، وإن يبتعد عن القول الوضيع ، ومستقبح الكلام ويكنّي في القول إذا كان صريحه مستقبحاً وفصيحه مستهجناً فيبلغ الغرض ولسانه نزه وأدبه مصون . وأن يستشهد ويتخصص بأمثال العلماء والأدباء والأتقياء الصّالحين .

5– سلامة القلب ونقاء السّر :

وأما الأدب في سلامة القلب ونقاء السّر فحيث إنّ القلب هو موضع نظر رب العالمين، كما قال سبحانه وتعالى في كتابة العزيز ﴿ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ﴾. وكذلك أي القلب هو الأصل والمركز والجوارح كلّها تبع له، وإذا صحّ المتبوع صلح التابع.

وكذلك إنّ القلب هو خزانة كل جوهر نفيس للعبد، أولها معرفة الله تعالى التي هي سبب  السعادة في الدّارين، ثمّ البصيرة الشّفافة التي بها تُدرك الأشياء، وبها التّقدم والوجاهة عند الله تعالى، ثمّ النّية الخالصة في الطّاعات، ثمّ الحكم والعلوم. وموضع فيه هذه الجواهر فحقيق على العبد أن يمسكه بزمام الأدب فيصونه ويطهره من الأخلاق الذميمة والآفات المهلكة كالعقائد الفاسدة، والحسد والحقد، والكبر.

 6– حُسن الخلق :

وأما حسن الخلق فارتباطه بالأدب كارتباط الخط بالمعنى ، فكما أن الخط يُظهر صورة المعنى كذلك حسن الخلق يظهر صورة الأدب الحقيقية فمن حَسُن خلقه حَسُن دينه ، وكانت له معايش الدنيا والآخرة.

ومن الخلق الحسن : الحياء ، والحلم وترك الغضب ، والحسد ومجانبة الكبر والإعجاب والتّحلي بالصّدق ، واجتناب الكذب والغيبة والنّميمة، والتدثر بدثار الصّبر والمروءة …

فأما الحياء في الإنسان قد يكون على ثلاثة أوجه:

– حياؤه من الله تعالى ، والذي يكون بامتثال أوامره ، والكفّ عن نواهيه.

– حياؤه من النّاس فيكون بكف الأذى ، وترك المجاهدة بالقبيح .

– حياؤه من نفسه فيكون بالعفة ، وصيانة الخلوات .

7– الحلم وترك الغضب :

وأما الحلم وترك الغضب فلهما شأن كبير في باب الأدب ، حيث أنّ الحلم من أشرف الأخلاق وأحقّها بذوي الألباب، وأسباب الحلم كثير منها:

أ – الترفع عن السّباب، واحتمال السّفيه والتّفضل على السّبّاب، حيث قال أحدهم: ” ما عاداني أحد قط إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال :

إن كان أعلى مني عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان نظيري تفضّلت عليه”.

ب – إستنكاف السّبّاب وقطع الأسباب، وهذا يكون من الحزم كما حكى أنّ رجلاً قال لضرار بن القعقاع : والله لو قلت واحدة لسمعت عشراً، فقال له ضرّار: والله لو قلت عشراً لم تسمع واحدة.

ج – تسكين الغضب، وذلك بأن يذكر الغاضب الله عزّ وجل، فيدعوه ذلك إلى الخوف منه ويبعثه الخوف منه على الطّاعة فيرجع إلى أدبه، وأن ينتقل عن الحالة التي هو فيها إلى حالة غيرها فيزول عنه الغضب، وأن يتذكر ما يؤول إليه الغضب من النّدم ومذمة الإنتقام.

وقال بعض الحكماء: “الغضب على ما تملك تعجز، وعلى من تملك لؤم، وأن يذكر ثواب العفو وحسن الصّفح فيقهر نفسه على الغضب رغبة في الجزاء والثّواب، وأن يذكر انعطاف القلوب عليه وميل النّفوس إليه”.

8- الحسد :

وأما الحسد فهو خلقٌ ذميم، مضرٌ بالبدن، مفسدٌ للدّين، وقد أمر الله تعالى بالإستفادة من شرّه: ﴿ومن شرّ حاسدٍ إذا حسد﴾ الناس آ : 5.

والحاسد فهو في حسرة ٍدائمة، وضيعُ المنزلة والقدر عند الناّس، وقد قيل: الحسود لا يسود. فهو لا يجد له مُحبّا، ولا يرى في النّاس وليّاً، فيصير بالعداوة مأثوراً، وبالمقت مزجوراً، والأعظم من هذا كلّه سخط الله تعالى الدّائم عليه لأنه أي الحاسد معادٍ نعم الله عزّ وجل بحسده، وسخط قضائه وقسمته.

والعلاج الشافي للتّخلص من هذا الدّاء الخطير:

1- إتباع الدّين في اجتنابه، والرّجوع إلى الله عزّ وجل في آدابه.

2- تحكيم العقل الذي يستقبح به من نتائج الحسد، فيؤدّب الحاسد نفسه بسوط العقل، فتذعن للرّشاد، وتجيب إلى الصّلاح.

3- رؤية الحاسد نفور النّاس منه فيخافهم إما على نفسه من عداوة، أو على عرضه من ملامة فيتألفهم بمعالجة نفسه، ويراهم إن صلحوا أجدى نفعاً وأخلص ودّاً.

4- أن يستسلم الحاسد لقدرة الله وقسمته، حيث عدل الله ورحمته وحكمته جارية في كل شيء.

وأود أن أذكر أنه بحسب فضل الإنسان وظهور النعمة عليه يكون حسد النّاس له، وإن كثر فضله كثر حساده، وإن قلّ قلّوا. فلذلك يجب على الإنسان العاقل أن يقضي حوائجه بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود، وأن يستعيذ بالله من شر الحاسد.

9- الكبر والإعجاب :

وأما الكبر والإعجاب يسلبان الفضائل، ويكسبان الرذائل، فالمتكبر أو المعجب لا يصغي لنصح، ولا يقبل لتأديب.

ومن أسباب الكبر سرور المتكبر وتقبله لمديح المقربين وإطراء المتملقين، حيث إنّ النفس تميل لحب الثّناء وسماع المدح. فالمتكبر هو الذي يستعظم نفسه برؤية قدرها، واستصغار غيره، والمتكبر يتعالى على غيره إما بعلم استزاده من فضل الله ونعمه لا من حوله وقوته، وإما بنسب أو حسب، أو مالٍ أو قوة، أو بالأتباع والأنصار …

والسّبب الدافع للكبر هو العجب والذي ينتج عنه – أي الكبر – الحسد والحقد والرّياء وهذه أعظم الآفات.

وأما العلاج النّافع، والدّواء النّاجح للتّخلص من آفة التّكبر والإعجاب:

1- تفكّر المعجب ببدنه، في جماله، وصحته، وقوته… كيف يتمزق هذا البدن في التراب، وينتن في القبور، ويعلم إن حميّ يوماً تضعف قوته. وينظر مصير المتكبرين والمعجبين ببطشهم وقوتهم كقبائل عاد وثمود كيف أهلكهم الله تعالى وجعلهم كأعجاز نخل خاوية.

2- أنّ المعجب بعقله، وتفطنه لدّقائق الأمور من مصالح الدّين والدّنيا، والمستبد برأيه، وتارك المشورة، والمستحقر للنّاس المخالفين لرأيه يجب أن يعود بالشّكر لله تعالى على ما رزقه من العقل، ويتفكّر أنه بأدنى مرض يصيب دماغه يوسوس ويجن ويضحك الناّس منه، وليعلم أنه ما أوتي من العلم إلا قليلاً، وإن اتّسع عمله فينبغي أن يعلم قصور عقله من غيره لا من نفسه، ومن أعدائه لا من أصدقائه، فإن من يداهنه يثني عليه فيزيد عجباً، ولا يظن بنفسه إلا الخير ولا يفطن لنفسه فيزداد عجباً.

3- والمعجب بنسبه وحسبه يجب أن يعلم أن الناس شُرّفوا بالطّاعة والأخلاق الحميدة لا بالنّسب، وقد قال الله تعالى: ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾.

4- والإعجاب بنسب السّلاطين الظّلمة وأعوانهم دون نسب الديّن والعلم فهو غاية الجهل والتّخلص منه هو بالّتفكّر في مخازي هؤلاء الظّلمة وما جرى منهم من الظّلم على عباد الله، والفساد في دين الله، وأنهم ممقوتون عند الله تعالى فيتبرى من الإنتساب إليهم العاقل حينئذ، وخاصة عندما يتحقق ويوقن إذلالهم يوم القيامة.

5- والمعجب بكثرة العدد من الأولاد والخدم والغلمان والعشيرة والأقارب والأصحاب والأنصار والأتباع فعلاجه أن يتفكر في ضعفه وضعفهم، وأن كلهم عبيد عجزة لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً وأن الموت سيفرقهم.

6- المعجب بالمال، فليتفكر في آفات المال وكثرة حقوقه، وبفضيلة الفقراء وسبقهم إلى الجنة وأن المال غادٍ ورايح ولا أصل له.

7- والمعجب برأيه هو أكثر خطراً من غيره من المعجبين، فعليه أن يسترشد إخوان الصّدق الذين هم أصفياء القلوب ومرايا المحاسن والعيوب على ما ينبهونه عليه من مساويه التي صرفَه حُسن الظن عنها، فإنهم أمكن نظر وأسلم فكراً ويجعلون ما ينبهونه عليه من مساويه عوضاً عن تصديق المدح فيه، وقد قيل: “رحم الله أمرأ أهدى إلينا مساوينا”.

فإذا قطع أسباب الكبر وحسم مواد العجب اعتاض بالكبر تواضعاً وبالعجب تودداً وذلك من أوكد أسباب الكرامة وأقوى مواد النعم وأبلغ شافع إلى القلوب يعطفها إلى المحبة ويثنيها عن البغض.

10- الغيبة:

وأما الغيبة فهي المذهبة للحسنات، والمزيدة للسّيئات، وتسخط رب الأرض والسّموات وهي ذكر الناس بسوء في غيابهم. ثمَّ ضرب الله عز وجل المثل على الغيبة فقال: “أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً” وبيانه أن ذكرك لمن لا يحضرك بسوء بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لا يحس بذلك فكرهتموه فلا تفعلوه. وقال النبي: “ما النار باليُبس بأسرع من الغيبة في حسنات العبد”.

وحدّ الغيبة وكما ذكرنا: “هو أن يتكلم الإنسان في حق الآخر في غيبته بما لو علم به لساءه”،  ولكنها تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إلا بها وهو ستة أسباب:

الأوّلة: التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السّلطان والقاضي وغيرهما ممّن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا.

والثانية: الإستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصّواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر، فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك، ويكون مقصده التّواصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراماً.

والثالثة: الإستفتا، فيقول للمفتي ظلمني أبي وأخي أو زوجي أو فلان بكذا، فهل له ذلك، وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقيّ ودفع الظلم ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول ما تقول في رجل أو شخص أو زوج كان أمره كذا، فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين ومع ذلك فالتّعيين جائز.

والرابعة: تحذير المسلمين من الشّر ونصيحتهم، وذلك من وجوه منها جرح المجروحين من الرّواة والشّهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.

ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو إيداعه أومعاملته بغير ذلك ومجاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله بل يقصد النصيحة.

ومنها إذا رأى متفقهاً يتردد إلى مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقّه بذلك،  فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النّصيحة، وهذا مما يُغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشّيطان عليه بذلك، ويخيّل إليه أنه نصيحة فليتفطن لذلك.

ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما بأن لا يكون صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقاً أو مُغفلاً فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية ليعزله ويولي من يصلح أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغترّ به، وأن يسعى في أن يحثه على الإستقامة أو يستبدل به.

والخامسة: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة الناس، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلماً، وتولّي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما تجاهر به ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.

والسّادسة:  التّعريف، فإذا كان إنسان معروف بلقب كالأعمش والأعرج، والأصم… جاز تعريفهم بذلك ويحرّم إطلاقه على جهة التنقص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك لكان أولى.

فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه، وقال  بعضهم فإذا رأيت عيب أحد فاطلبه في نفسك ودقق النظر، والضّمان على الله أنك إن أنصفت ستجده. فإن غالطتك نفسك فيه فانظر غيره من معايبك واشتغل به عن عيب غيرك. ومن عيَّب عُيِّب.

11- النميمة :

وأما النّميمة فهي توغر الصّدور، وتفتح الشّرور، وتوصل إلى عظائم الأمور، وصاحبها على شفا جرف الهلاك، وليس له من غضب الله انفكاك إلا أن يتوب ويتغمده برحمته علام الغيوب.

والنميمة هي نقل الحديث مما يفسد بين النّاس، يسمع الكلام من هذا فيسعى به ويبلّغه لهذا فهي تشعل العداوة في القلب والله تعالى نهى عنها في كتابه العزيز: ﴿ولا تطع كل حلاّف مهين همّاز مشاء نميم﴾ القلم( آ 10 – 11 ).

12- الصبر والإحتمال:

وأما الصّبر والإحتمال فهو من أمارات السّعادة وحسن التّوفيق وبه نزل الكتاب. قال الله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا﴾ ( آل عمران آ 200 )

﴿إنما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب﴾ ( الزمر آ 10 ).

والصّبر على ستة أقسام محمودة، وإليك بيانها:

1- الصّبرعلى امتثال ما أمر الله تعالى به والإنتهاء عمّا نهى الله عنه.

2- الصّبر على حوادث الدّهر، والرّزايا والمصائب.

3- الصّبر على ما فات إدراكه من رغبات مرجوة، فإنّ الصّبر عنها يعقب السلو منها.

وقال بعض الحكماء: اجعل ما طلبته من الدنيا فلم تنله مثل ما لا يخطر ببالك فلم تقله.

4- الصّبر فيما يخاف حدوثه ونزوله، من نكبات ومصائب يتوقع حلولها فلا يتعجّل هم ما لم يأتِ فإنّ أكثر الهموم كاذبة.

وقال الحسن البصري: “لا تحملن على يومك همّ غدك فحسب كل يوم همه”.

5- الصّبر فيما يتوقعه من رغبات يرجوها، ومن نِعم يأملها، فإذا كان مع الرّغبة وقوراً وعند الطّلب صبوراً أبصر رشده وعرف قصده. وقيل الصّبر على الطّلب عنوان الظّفر.

6- الصّبر على المكاره والأوجاع، فبالصبر في هذا تتفتح البصائر ويسدّد الرأي، وتبعد الحسّاد، وتبطل مكايد الأعداء. وقال ابن عطاء: الصّبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب.

فإذا استشعرت النفس زوال الدّنيا، وتقضي آجالها هانت عليها المصائب، وإن الشّدائد قدّرها الله تعالى بأوقات لا تنصرم قبلها، ولا تستديم بعدها، وفيها الوقاية من الرّزايا بما هو أعظم من زريته، وأشد من حادثته، ولذلك قيل  إنّ لله تعالى في أثناء كل محنة منحة”.

وقيل للشّعبي في نائبة كيف أصبحت؟ قال: بين نعمتين خير منشور وشرّ مستور.

وإنّ الله تعالى مع الصّابرين، وإنه يوفي أجورهم بغير حساب. فالأدب مصباح الذات الإنسانية، وترجمان فضلها فالموحد الأديب، ذو الوقار والسّكينة، والحياء، والسّخاء، واللطيف والعفيف، نور في سماء الإنسانية جمعاء، تقتبس من بركاته وخيراته كل نفس توّاقة للفضل والإحسان، السّليمة من أمراض وآفات هذا الزمان، كما الأبصار تستنير بنور شمس النّهار وتقوى السّليمة منها على تلقي الأشعة والأنوار.

3- الأدب في طلب العلم:

قال السيد الأمير جمال الدين التنوخي قدّس الله سرّه في مكاتبته للشيخ أبي عبد القادر زين الدين ريّان:

“وقال بعضهم أجهل الناس من ترك العمل بما يعلم، وأعلم الناس من عمل بما يعلم، وأفضل الّناس أخشعهم لله والحكم جازم بأن العالم إذا لم يعمل بعلمه فليس بعالم، فلا يغتر الإنسان بتشدّقه واستطالته، وحذاقته وقوته في المناظرة والمجادلة، فإنه جاهل ليس بعالم، إلا أن يتوب الله عليه ويرجع يعمل بما يعلم.

وقال الله تعالى: “إنما يخشى الله من عباده العلماء”، فنفى العلم عمّن لا يخشى الله، فلاح لعلماء الآخرة أنّ الطّريق مسدودة عن الوصول إلى المعارف ومقامات القرب إلا بالزّهد والتّقوى، فبصفاء التّقوى وكمال الزّهد يصير العبد راسخاً في العلم… فالبشرى لمن عمل بما علم، والطّوبى لمن سلك.

كما قال من عمل بما علم ورّثّه الله علم ما لم يعلم، ووفّقه فيما يعمل حتى يستوجب الجنّة ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما يعلم، ولم يوفّق فيما يعمل حتى يستوجب النار. فمن ظنّ أنه يتوفق في العلم والعمل بمجرّد قواه، فهو في الدّرك الأسفل ومهواه. ومن إلتجا إلى الله سبحانه وزعم أنه متكل عليه وأهمل العلم والعمل واتباع مراسيم صفيّه المختار، فهو في الهاوية والنار، ومسرمد في غضب الواحد الجبار. بل إن الواجب على العبد إفراغ الجهد في تحصيل العلم، ثمّ يعمل بالعلم، ثم يستعين بالله تعالى في تحصيلهما، ثمّ يؤمل الوصول بالعناية الأزلية فهذا طريق الحق والوصول، وإلا الزّاعم أنه متكل بغير علم ولا عمل فهذا تجرّي على المعصية لا إتكال على الواحد سبحانه…”.

يُستدل من كلام سيدنا الأمير قدّس الله روحه:

1- إنّ طلب العلم فريضة كل موحد.

2- العلم الصحيح هو المقرون بالعمل والإخلاص.

3- العالم الحقيقي هو الزّاهد في الدّنيا وحطامها، والمتقيّ الله سبحانه حقّ تقاته.

4- طلب الإعانة من الله سبحانه قبل تحصيل العلم وأثنائه، والتخشّع إلى الله سبحانه بأن يجعل علمه وعمله مقبولين عنده.

5- العالم لا يعتّد عالماً إذا لم يخشَ الله، وثمرة خشية الله تعالى الإلتزام بأوامره ونواهيه.

فمن هنا يتجلّى الأدب في طلب العلم بأبهى صوره وقد قال بعض الحكماء: العلوم مطالعها من ثلاثة أوجه: قلب مفكر، ولسان معبّر، وبيان مصور.

فإذا عقل الكلام بسمعه فهم معانيه بقلبه، وإذا فهم المعاني سقط عنه كلفة استخراجها وبقى عليه معاناة حفظها واستقرارها، فإذا حفظها بعد الفهم أنست، وإذا ذكرها بعد الأنس رست.

وقال بعض العلماء: “من أكثر المذاكرة بالعلم لم ينسَ ما علم واستفاد ما لم يعلم”.

فالعالم هو الحافظ للعلوم، والدارس لها، والخائض في بحار معانيها، والحريص على تحصيل العلوم الناّفعة وترسيخها في قلبه. وقد قال الشّافعي:

علمي معي  حيثما  يَمّمتُ   يَنفعُني                  قلبي  وعاءٌ  له  لا  بَطنُ     صندوق

إن كنتُ في البيتِ كان العلمُ فيه معي                 أو كنتُ في السّوقِ كان العلمُ في السّوقِ

ومن آداب طلب العلم : التذلّل والصّبر، وقال بعض الحكماء: “من لم يحتمل ذلَّ التّعلّم ساعة بقى في ذلّ الجهل أبداً “.

ومعرفة فضل العلماء الأتقياء والإقتداء بهم ، وعدم التّقليد الأعمى، حيث لا ينبغي لطالب العلم أن يبعثه معرفة الحق عن قبول شبهة أو بدعة، وعدم الإنقطاع عن العلم، والإستكفاء بما علم، وترك البخل، فمن آداب العلماء أن لا يبخلوا بتعليم ما يحسنون ولا يمتنعوا من إفادة ما يعلمون، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿إنّ الذي يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بينّاه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون﴾ سورة البقرة آ 159.

ومن واجبات العالم الموعظة على قدر الحاجة واللّطف فيها وقال بعض العلماء: “كل علم كثر على المستمع ولم يطاوعه الفهم ازداد القلب به عمى، وإنما ينفع سمع الآذان إذا قوي فهم القلوب في الأبدان. وكذلك من واجبات العالم النّصح والرّفق، وعدم التّعنيف أو الإحتكار، ولا يمنع طالب ولا ينفر راغب.

4- الأدب في صحبة الأخبار :

“الصُّحبة إذا صحّت شرائطها كانت أخوّة”.

– ومن شرائطها ألا تحتمل المخاصمة، ولا المخاذلة ولا المجادلة، ولا الإستهزاء، ولا الإزدراء، ولا المزاحمة، ولا المغالبة، ولا الغيبة، ولا النّميمة، ولا قبح الظّن… وإن أجّل الإخوان وأتم الأصحاب، أحسنهم خلقاً، وأكثرهم أدباً، وأقدمهم صحبة، وأوفاهم عهداً، وأقلهم حقداً، وأوسعهم برّاً، وأعظمهم احتمالاً، وأصدقهم قولاً، وأصحهم وعداً، وأقربهم قلباً، وأصغرهم نفساً، وأكملهم عقلاً.

– ومن شروط الصّحبة أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وقد قال رسول الله (ص): “لا يُؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” رواه البخاري ومسلم.

فالمحبة المتبادلة بين الإخوان تسود العدالة في المجتمع وتنشر الطّمأنينة في النّفوس، ويقوم التّضامن والتّعاون فيما بينهم. ولا تستقر هذه المحبة في قلب المؤمن لأخيه إلا إذا طهّر قلبه من الأنانية والحقد، والكراهية والحسد…

ومن ثِمار هذه المحبة:

أ- أن يحب لغيره من الخير وفعل الطّاعات ما يحب لنفسه، وأن يبغض لهم من الشّر والمعصية ما يبغضه لنفسه أيضاً.

ب- أن يجتهد في إصلاح أخيه، إذا رأى منه تقصيراً في واجبه، أو نقصاً في دينه.

ج- أن يبادر إلى إنصاف أخيه من نفسه ويؤدي إليه حقوقه، كما يجب هو أن ينتصف لنفسه من غيره، ويحصل على حقه منه.

– ومن شروط الصّحبة أيضاً التّعاون والتآّلف، والتّناصر، والإجتماع على كلمة التوحيد.

وقال رسول الله (ص): “من نفّس عن مؤمن كُربة من كُرب الدّنيا نفّس الله عنه كُربة من كُرب يوم القيامة، ومن يَسّر على معسرٍ يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه… وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم  وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده.” (رواه مسلم ).

ويستوحى من هذا الحديث “أن المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم مثل جسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر”.

ومن ثمار التّعاون والتّناصر للإخوان:

أ- نصرته وتخليصه من الظلم.

ب- إقراضه المال إن احتاج إلى المال، أو سدّ حاجته الدّنيوية على قدر المستطاع.

ج- ستر عورة أخيه، وعدم تتبع عورته وزلاته ليفضح بين الناس.

ومما روي عن النبي: “من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة”.

د- عمارة المساجد فهي بيوت الله سبحانه يعمرها في أرضه المؤمنون، وعمارتها تكون بالذّكر الحكيم، والتّآلف، والتّصافي حيث تنزل على المؤمنين السّكينة، وتغشاهم الرّحمة، وتحفّهم  الملائكة، ويذكرهم الله فيمن عنده.

والنّصيحة لله تكون بالإيمان به سبحانه، والقيام بطاعته وتجنب معصيته… لأنّه سبحانه وتعالى غني عن نصح النّاصحين.

ونصيحة المؤمن لكتاب الله عز وجل: بقراءته وحفظه، لأن في قراءته اكتساب العلم والمعرفة، وحصول طهارة النفس، وصفاء الضّمير، وزيادة التّقوى… وبترتيله وتحسين الصّوت بقراءته، مما يجعل القراءة أوقع في النّفس، وأسمع في القلب، وبتدبّر معانيه، وبتعليمه للأجيال المؤمنة، وبالعمل بموجبه.

والنّصيحة لرسول الله تكون بتصديق رسالته والإيمان بجميع ما جاء به، وكما تكون بمحبته وطاعته محبة الله تعالى.

ومن أدب النّصيحة: أن ينصح المسلم أخاه المسلم ويعظه سرّاً، وقال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس النّاس فإنما وبخه.

وقال الفضيل: “المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعيّر”.

– ومن شروط المصاحبة المشورة حيث من الحزم لكل ذي لب أن لا يبرم أمراً ولا يمضي عزماً إلا ّبمشورة ذي الرأي النّاصح ومطالعة ذي العقل الرّاجح.

وصفات من تطلب منه المشورة من الإخوان المؤمنين الصّادقين:

أ- أن يكون ذا عقل كامل مع تجربة سالفة، فإنه بكثرة التّجارب تصح الرؤية وقيل: ” إياك ومشاورة رجلين: شاب معجب بنفسه قليل التّجارب في غيره، أو كبير قد أخذ الدّهر من عقله كما أخذ من جسمه.”

ب- أن يكون ذا دين وتقى، وناصحاً ودوداً.

ج- أن يكون له من الأمر المستشار غرض يتابعه ولا هوى يساعده.

والصّحبة الحقيقية هي على ثلاثة أقسام:

صحبة مع من فوقك وهي في الحقيقة خدمة، واتباع، وأدب، واقتداء… وصحبة مع من دونك وهي تقضي على المتبوع بالشفقة والرّحمة، وعلى التابع بالوفاق والرّحمة، وصحبة الأكفاء والنّظراء وهي مبنية على الإيثار والفتوة، والصّفح عن عثرات الإخوان وكفّ الأذى وبذل النّدى”.

وقد قال رسول الله (ص): “لا يزال الله تعالى في حاجة العبد ما دام العبد في حاجة أخيه”.

إذا، فالصّحبة محبة، وتعاون، وتصافي، ونصيحة، ومشورة، وأدب، وإيثار، وفتوّة.بسم الله الرّحمن الرّحيم

” كُن خَلوقاً تَنل ذِكراً طَيباً

تعتبر القيم بشكل خاص من الامور الاساسية في حياة الانسان، ومن أهم المقومات الحضارية والاسس الانسانية حيث قيل  ” ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلقٍ حسن”، والانسان وُجد ليعيش داخل إطار المجتمع والحياة الاجتماعية، فهو إذاً بحاجة الى مراعاة الأطر والضوابط الاخلاقية التي من الممكن أن تكون ناجمة عن دينٍ وفكرٍ إلهي أو من صنيعة أفراد المجتمع، وبالتالي فإن وجودها ضروري لتنظيم حياة الفرد والمجتمع معاً على أسسٍ سليمةٍ  وراقية.

صلاحُ أمركَ للأخلاقِ مرجعُهُ                    فقوّم النّفس بالأخلاقِ تَستقمُ

١- الأدب مع الله تعالى:

– إن أولى شروط الأدب مع الله تعالى هي معرفته، لأن معرفته سبحانه وتعالى، هي مفتاح الآداب النّفسية والإجتماعية، وهي أسس الخيرات جميعها.

ومعرفته، لا إله إلاّ هو سبحانه كما تجلّت سطورها السّاطعة بالأنوار القدسية، في الكتاب العزيز على لسان خير البريّة إنه هو الواحد الأحد، الفرد الصّمد، الذي لم يلد، ولم يُولد، ولم يكن له كفؤاً أحد، وإنه العليم، اللطيف، الخبير، الحسيب، السّميع البصير، العزيز، القادر…

وبعد معرفته جّل جلاله، وترسيخ هذه المعرفة بقلوبنا، حتى تنزل في قلوبنا منزل اليقين والإطمئنان لا بدّ لنا من التّحلي بآداب العبودية، والإخلاص بها.

 ومن جملة هذه الآداب :

 القيام بحق الطّاعات بشرط الخشوع والوقار، والذّل والإنكسار، وترك الإختيارإلا لِما يختاره لنا الواحد القّهار، العزيز الغفّار، أي أن تكون سائر تقلباتنا وحركاتنا وسكناتنا مطابقةً لما يُرضي الله سبحانه وتعالى. والإقرار بالعجز، والتبري من الحول والقوّة، فما أوتينا من قوّة وجمال، ومال وعزّ وتوفيق… فهو منه ومن جوده وكرمه عن غير إستحقاق نستحقه عنده. وإنما تدفعنا نعمه وخيراته وبركاته علينا إلى الحمد والشكر والتي تصل غايته أي الحمد والشّكر الى العجز عن الحمد والشّكر. كما قال أحد الصّالحين :”إلهي كيف أشكرك، والشّكر نعمة منك”، أي هوالذي يعيننا على الشّكر، ويوفقنا إليه.

وكذلك العبودية الحقّة تُلخّص بأربع كلمات ذكرها أحد الصّالحين ألا وهي:” الوفاء بالعهود، والحفظ للحدود أي المفترضات الدّينية، والرّضا بالموجود، والصّبر على المفقود.”

٢- الأدب في شخصية الموحّد الذاتية أو الادب الذاتي :

الادب هو ما يتولّد من صفاء القلب وحضوره، وكذلك يتولّد من الحياء والهيبة والشّفقة.

وقال أبو علي الدّقاق (ر): ” العبد يصل بطاعته الى الجنة، وبأدبه في طاعته الى الله تعالى.”        وقد قال ابن مبارك (ر): “نحن الى قليل من الادب أحوج منّا الى الكثير من العلم”.

فمن جملة الآداب المطلوبة من الموحّد، كما وردت عن سيدّنا الشّيخ الفاضل محمد ابن أبي هلال الكوكباني نفّعنا الله  ببركاته، وأعاد علينا من صالح دعواته: “فمن جملة الآداب المطلوبة من العبد، أن يكون مخلصاً لله تعالى في سرّه وجهره، مراقباّ لربّه، مسلّماً جميع أموره إليه، متكلاً في السّراء والضّراء عليه، راضياً بقضائه، قانعاً بعطائه، صابراً على بلائه، شاكراً لنعمائه، ملازم الإنكسار، والذّل والإفتقار، خاشعاً لله تعالى، متمسّكاً بحدوده، ملازماً للأوامر والنواهي صغيرها وكبيرها، منصرفاً عن النّواهي جليلها وحقيرها، مهذباً لأخلاقه مستشعراً لخلاّقه، محاسباً لنفسه، ناظراً في عيبه، مقبلاً على ربّه، معرضاً عن عيوب الناّس، خفياً صوته، كثيراً صمته، سادق اللسان، ليّن الجنان، سالم القلب، نقي السّر، حسن الأخلاق، سهل المعاشرة، قليل المنافرة، قليل المنازعة، قليل المراجعة، كثير المتابعة، غضيّ العين، قليل الكلام، قليل الضّحك، قليل المزاح، كثير المروءة، صادق المحبة ، كثير الصّفا، كثير الوفا، قليل الجفا، ذا عفّة ونزاهة وصيانة وقناعة، قليل الحقد، قليل الحسد، قليل الحرص، قليل الطّمع، قليل الغضب، قليل النّزق، قليل الغيبة، قليل النّميمة، حميد الفِعال، كثير الإحتمال، كثير الادب، كثير اللطف، كثير العطف، واسع الصّدر، كثير الإنصاف، لا يحب نفسه على أحد، ولا يرى لنفسه قدراً ولا قيمة، ولا يتكبر على أحد من خلق الله تعالى، إن أكرموه  النّاس تواضع هو في نفسه، وإن أغضبوه صبر و إحتمل…”

فقد استهل سيدّنا الشّيخ الفاضل رضوان الله عليه جملة الآداب المطلوبة من العباد ب :

1- تصفية القلب والأفعال عن ملاحظة المخلوقين أي اعتماد القلب والفعل ملاحظة المخلوقين لكل منهما. وكذلك هو، أي الإخلاص التّوقي عن ملاحظة الخلق، بأن لا يفرح برؤيتهم لما هو فيه العمل ليمدحوه ويصلوه أو لئلا يستنقصوه. والإخلاص قوامه الصّدق وهو التّنقيّ من مطالعة النفس فالمخلص لا رياء له والصّادق لا إعجاب له.

2- المراقبة : وأمّا مراقبة الله عزّ وجل فهي عصب فعّال في جسم الآداب المطلوبة من الموحد، وهي مراعاة السّر لملاحظة الحق سبحانه مع كل خطرة، وقال أبو حفص إذا جلست للنّاس فكن واعظاً لقلبك ولنفسك ولا يغرنّك إجتماعهم عليك، فإنهم يراقبون ظاهرك والله تعالى يراقب باطنك. وقال ذو النّون علامة المراقبة إيثار ما آثر الله تعالى، وتعظيم ما عظّم الله تعالى، وتصغير ما صغّر الله تعالى.

3– المحاسبة :وأما محاسبة الإنسان لنفسه فهي قوام نظام النّفس، وركن أساسي في تهذيبها . وكما قال أحدهم ” فإذا لم يحاسب المرء نفسه في صغير ما يخطر بباله وكبيره ، ولم يفتش عن أحواله كلّها ، ولم يقهر هواه بعقله ، كيف يسلم من خديعة عدوّه الذي هو معه ولا يفارقه طرفة عين، ويسوس إليه بالأغاليط والشّبه …

وإذا نسي العبد ذنوبه ولم تخطر بباله، تكبّرت نفسه وعظمت في ذاتها، وقلّ سؤالها في العفو وهذا مما يوصل إلى الغضب والعقاب، وإذا جعل الإنسان سيئاته منشورة مكتوبة نصب عينه، وجعلها ناراً محرقة، فبذلك يلتجي إلى الله سبحانه وتعالى في العفو والمسامحة، ويُرتجى له عدم المعاودة … فهكذا الذنوب هي المكاوي للنّفوس الحيّة، والميتة ما تحسّ بذلك.

4– الصّمت عن الكلام:

وأما الأدب في الصّمت وقلة الكلام له فوائد جمّة، حيث قال بعض البلغاء : ” إلزم الصّمت فإنّه يكسبك المحبة، ويؤمّنك سوء المغبّة ويلبسك ثوب الوقار، ويكفيك مؤنة الإعتذار . “

وقد قال بعضهم : ” أعقل لسانك إلا عن حق توضحه، أو باطل تدحضه، أو نعمة تشكرها، أو حكمة تنشرها. “

ومن آداب الكلام: أنه لا يتجاوز في مدح ولا يُسرف في ذم ، وإن كانت النّزاهة عن الذّم كرماً، والتّجاوز في المدح ملقاً يصدر عن مهانة ، والسّرف في الذم يصدر عن شر ، كلاهما شين وإن سلم من الكذب . وان لا يندفع إلى الإسترسال في وعد أو وعيد يعجز عنهما ولا يقدر على الوفاء بهما ، وإن قال قولاً حققّه بفعله،  وإذا تكلم بكلام صدّقه بعمله ، وأن يكون مراعياً لمقاصده وأغراضه فإن كان كلامه ترغيباً قرنه باللطف واللين ، وإن كان ترهيباً خلطه بالخشونة والعنف ، وإن يبتعد عن القول الوضيع ، ومستقبح الكلام ويكنّي في القول إذا كان صريحه مستقبحاً وفصيحه مستهجناً فيبلغ الغرض ولسانه نزه وأدبه مصون . وأن يستشهد ويتخصص بأمثال العلماء والأدباء والأتقياء الصّالحين .

5– سلامة القلب ونقاء السّر :

وأما الأدب في سلامة القلب ونقاء السّر فحيث إنّ القلب هو موضع نظر رب العالمين، كما قال سبحانه وتعالى في كتابة العزيز ﴿ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ﴾. وكذلك أي القلب هو الأصل والمركز والجوارح كلّها تبع له، وإذا صحّ المتبوع صلح التابع.

وكذلك إنّ القلب هو خزانة كل جوهر نفيس للعبد، أولها معرفة الله تعالى التي هي سبب  السعادة في الدّارين، ثمّ البصيرة الشّفافة التي بها تُدرك الأشياء، وبها التّقدم والوجاهة عند الله تعالى، ثمّ النّية الخالصة في الطّاعات، ثمّ الحكم والعلوم. وموضع فيه هذه الجواهر فحقيق على العبد أن يمسكه بزمام الأدب فيصونه ويطهره من الأخلاق الذميمة والآفات المهلكة كالعقائد الفاسدة، والحسد والحقد، والكبر.

 6– حُسن الخلق :

وأما حسن الخلق فارتباطه بالأدب كارتباط الخط بالمعنى ، فكما أن الخط يُظهر صورة المعنى كذلك حسن الخلق يظهر صورة الأدب الحقيقية فمن حَسُن خلقه حَسُن دينه ، وكانت له معايش الدنيا والآخرة.

ومن الخلق الحسن : الحياء ، والحلم وترك الغضب ، والحسد ومجانبة الكبر والإعجاب والتّحلي بالصّدق ، واجتناب الكذب والغيبة والنّميمة، والتدثر بدثار الصّبر والمروءة …

فأما الحياء في الإنسان قد يكون على ثلاثة أوجه:

– حياؤه من الله تعالى ، والذي يكون بامتثال أوامره ، والكفّ عن نواهيه.

– حياؤه من النّاس فيكون بكف الأذى ، وترك المجاهدة بالقبيح .

– حياؤه من نفسه فيكون بالعفة ، وصيانة الخلوات .

7– الحلم وترك الغضب :

وأما الحلم وترك الغضب فلهما شأن كبير في باب الأدب ، حيث أنّ الحلم من أشرف الأخلاق وأحقّها بذوي الألباب، وأسباب الحلم كثير منها:

أ – الترفع عن السّباب، واحتمال السّفيه والتّفضل على السّبّاب، حيث قال أحدهم: ” ما عاداني أحد قط إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال :

إن كان أعلى مني عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان نظيري تفضّلت عليه”.

ب – إستنكاف السّبّاب وقطع الأسباب، وهذا يكون من الحزم كما حكى أنّ رجلاً قال لضرار بن القعقاع : والله لو قلت واحدة لسمعت عشراً، فقال له ضرّار: والله لو قلت عشراً لم تسمع واحدة.

ج – تسكين الغضب، وذلك بأن يذكر الغاضب الله عزّ وجل، فيدعوه ذلك إلى الخوف منه ويبعثه الخوف منه على الطّاعة فيرجع إلى أدبه، وأن ينتقل عن الحالة التي هو فيها إلى حالة غيرها فيزول عنه الغضب، وأن يتذكر ما يؤول إليه الغضب من النّدم ومذمة الإنتقام.

وقال بعض الحكماء: “الغضب على ما تملك تعجز، وعلى من تملك لؤم، وأن يذكر ثواب العفو وحسن الصّفح فيقهر نفسه على الغضب رغبة في الجزاء والثّواب، وأن يذكر انعطاف القلوب عليه وميل النّفوس إليه”.

8- الحسد :

وأما الحسد فهو خلقٌ ذميم، مضرٌ بالبدن، مفسدٌ للدّين، وقد أمر الله تعالى بالإستفادة من شرّه: ﴿ومن شرّ حاسدٍ إذا حسد﴾ الناس آ : 5.

والحاسد فهو في حسرة ٍدائمة، وضيعُ المنزلة والقدر عند الناّس، وقد قيل: الحسود لا يسود. فهو لا يجد له مُحبّا، ولا يرى في النّاس وليّاً، فيصير بالعداوة مأثوراً، وبالمقت مزجوراً، والأعظم من هذا كلّه سخط الله تعالى الدّائم عليه لأنه أي الحاسد معادٍ نعم الله عزّ وجل بحسده، وسخط قضائه وقسمته.

والعلاج الشافي للتّخلص من هذا الدّاء الخطير:

1- إتباع الدّين في اجتنابه، والرّجوع إلى الله عزّ وجل في آدابه.

2- تحكيم العقل الذي يستقبح به من نتائج الحسد، فيؤدّب الحاسد نفسه بسوط العقل، فتذعن للرّشاد، وتجيب إلى الصّلاح.

3- رؤية الحاسد نفور النّاس منه فيخافهم إما على نفسه من عداوة، أو على عرضه من ملامة فيتألفهم بمعالجة نفسه، ويراهم إن صلحوا أجدى نفعاً وأخلص ودّاً.

4- أن يستسلم الحاسد لقدرة الله وقسمته، حيث عدل الله ورحمته وحكمته جارية في كل شيء.

وأود أن أذكر أنه بحسب فضل الإنسان وظهور النعمة عليه يكون حسد النّاس له، وإن كثر فضله كثر حساده، وإن قلّ قلّوا. فلذلك يجب على الإنسان العاقل أن يقضي حوائجه بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود، وأن يستعيذ بالله من شر الحاسد.

9- الكبر والإعجاب :

وأما الكبر والإعجاب يسلبان الفضائل، ويكسبان الرذائل، فالمتكبر أو المعجب لا يصغي لنصح، ولا يقبل لتأديب.

ومن أسباب الكبر سرور المتكبر وتقبله لمديح المقربين وإطراء المتملقين، حيث إنّ النفس تميل لحب الثّناء وسماع المدح. فالمتكبر هو الذي يستعظم نفسه برؤية قدرها، واستصغار غيره، والمتكبر يتعالى على غيره إما بعلم استزاده من فضل الله ونعمه لا من حوله وقوته، وإما بنسب أو حسب، أو مالٍ أو قوة، أو بالأتباع والأنصار …

والسّبب الدافع للكبر هو العجب والذي ينتج عنه – أي الكبر – الحسد والحقد والرّياء وهذه أعظم الآفات.

وأما العلاج النّافع، والدّواء النّاجح للتّخلص من آفة التّكبر والإعجاب:

1- تفكّر المعجب ببدنه، في جماله، وصحته، وقوته… كيف يتمزق هذا البدن في التراب، وينتن في القبور، ويعلم إن حميّ يوماً تضعف قوته. وينظر مصير المتكبرين والمعجبين ببطشهم وقوتهم كقبائل عاد وثمود كيف أهلكهم الله تعالى وجعلهم كأعجاز نخل خاوية.

2- أنّ المعجب بعقله، وتفطنه لدّقائق الأمور من مصالح الدّين والدّنيا، والمستبد برأيه، وتارك المشورة، والمستحقر للنّاس المخالفين لرأيه يجب أن يعود بالشّكر لله تعالى على ما رزقه من العقل، ويتفكّر أنه بأدنى مرض يصيب دماغه يوسوس ويجن ويضحك الناّس منه، وليعلم أنه ما أوتي من العلم إلا قليلاً، وإن اتّسع عمله فينبغي أن يعلم قصور عقله من غيره لا من نفسه، ومن أعدائه لا من أصدقائه، فإن من يداهنه يثني عليه فيزيد عجباً، ولا يظن بنفسه إلا الخير ولا يفطن لنفسه فيزداد عجباً.

3- والمعجب بنسبه وحسبه يجب أن يعلم أن الناس شُرّفوا بالطّاعة والأخلاق الحميدة لا بالنّسب، وقد قال الله تعالى: ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾.

4- والإعجاب بنسب السّلاطين الظّلمة وأعوانهم دون نسب الديّن والعلم فهو غاية الجهل والتّخلص منه هو بالّتفكّر في مخازي هؤلاء الظّلمة وما جرى منهم من الظّلم على عباد الله، والفساد في دين الله، وأنهم ممقوتون عند الله تعالى فيتبرى من الإنتساب إليهم العاقل حينئذ، وخاصة عندما يتحقق ويوقن إذلالهم يوم القيامة.

5- والمعجب بكثرة العدد من الأولاد والخدم والغلمان والعشيرة والأقارب والأصحاب والأنصار والأتباع فعلاجه أن يتفكر في ضعفه وضعفهم، وأن كلهم عبيد عجزة لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً وأن الموت سيفرقهم.

6- المعجب بالمال، فليتفكر في آفات المال وكثرة حقوقه، وبفضيلة الفقراء وسبقهم إلى الجنة وأن المال غادٍ ورايح ولا أصل له.

7- والمعجب برأيه هو أكثر خطراً من غيره من المعجبين، فعليه أن يسترشد إخوان الصّدق الذين هم أصفياء القلوب ومرايا المحاسن والعيوب على ما ينبهونه عليه من مساويه التي صرفَه حُسن الظن عنها، فإنهم أمكن نظر وأسلم فكراً ويجعلون ما ينبهونه عليه من مساويه عوضاً عن تصديق المدح فيه، وقد قيل: “رحم الله أمرأ أهدى إلينا مساوينا”.

فإذا قطع أسباب الكبر وحسم مواد العجب اعتاض بالكبر تواضعاً وبالعجب تودداً وذلك من أوكد أسباب الكرامة وأقوى مواد النعم وأبلغ شافع إلى القلوب يعطفها إلى المحبة ويثنيها عن البغض.

10- الغيبة:

وأما الغيبة فهي المذهبة للحسنات، والمزيدة للسّيئات، وتسخط رب الأرض والسّموات وهي ذكر الناس بسوء في غيابهم. ثمَّ ضرب الله عز وجل المثل على الغيبة فقال: “أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً” وبيانه أن ذكرك لمن لا يحضرك بسوء بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لا يحس بذلك فكرهتموه فلا تفعلوه. وقال النبي: “ما النار باليُبس بأسرع من الغيبة في حسنات العبد”.

وحدّ الغيبة وكما ذكرنا: “هو أن يتكلم الإنسان في حق الآخر في غيبته بما لو علم به لساءه”،  ولكنها تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إلا بها وهو ستة أسباب:

الأوّلة: التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السّلطان والقاضي وغيرهما ممّن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا.

والثانية: الإستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصّواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر، فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك، ويكون مقصده التّواصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراماً.

والثالثة: الإستفتا، فيقول للمفتي ظلمني أبي وأخي أو زوجي أو فلان بكذا، فهل له ذلك، وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقيّ ودفع الظلم ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول ما تقول في رجل أو شخص أو زوج كان أمره كذا، فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين ومع ذلك فالتّعيين جائز.

والرابعة: تحذير المسلمين من الشّر ونصيحتهم، وذلك من وجوه منها جرح المجروحين من الرّواة والشّهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.

ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو إيداعه أومعاملته بغير ذلك ومجاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله بل يقصد النصيحة.

ومنها إذا رأى متفقهاً يتردد إلى مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقّه بذلك،  فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النّصيحة، وهذا مما يُغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشّيطان عليه بذلك، ويخيّل إليه أنه نصيحة فليتفطن لذلك.

ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما بأن لا يكون صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقاً أو مُغفلاً فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية ليعزله ويولي من يصلح أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغترّ به، وأن يسعى في أن يحثه على الإستقامة أو يستبدل به.

والخامسة: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة الناس، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلماً، وتولّي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما تجاهر به ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.

والسّادسة:  التّعريف، فإذا كان إنسان معروف بلقب كالأعمش والأعرج، والأصم… جاز تعريفهم بذلك ويحرّم إطلاقه على جهة التنقص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك لكان أولى.

فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه، وقال  بعضهم فإذا رأيت عيب أحد فاطلبه في نفسك ودقق النظر، والضّمان على الله أنك إن أنصفت ستجده. فإن غالطتك نفسك فيه فانظر غيره من معايبك واشتغل به عن عيب غيرك. ومن عيَّب عُيِّب.

11- النميمة :

وأما النّميمة فهي توغر الصّدور، وتفتح الشّرور، وتوصل إلى عظائم الأمور، وصاحبها على شفا جرف الهلاك، وليس له من غضب الله انفكاك إلا أن يتوب ويتغمده برحمته علام الغيوب.

والنميمة هي نقل الحديث مما يفسد بين النّاس، يسمع الكلام من هذا فيسعى به ويبلّغه لهذا فهي تشعل العداوة في القلب والله تعالى نهى عنها في كتابه العزيز: ﴿ولا تطع كل حلاّف مهين همّاز مشاء نميم﴾ القلم( آ 10 – 11 ).

12- الصبر والإحتمال:

وأما الصّبر والإحتمال فهو من أمارات السّعادة وحسن التّوفيق وبه نزل الكتاب. قال الله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا﴾ ( آل عمران آ 200 )

﴿إنما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب﴾ ( الزمر آ 10 ).

والصّبر على ستة أقسام محمودة، وإليك بيانها:

1- الصّبرعلى امتثال ما أمر الله تعالى به والإنتهاء عمّا نهى الله عنه.

2- الصّبر على حوادث الدّهر، والرّزايا والمصائب.

3- الصّبر على ما فات إدراكه من رغبات مرجوة، فإنّ الصّبر عنها يعقب السلو منها.

وقال بعض الحكماء: اجعل ما طلبته من الدنيا فلم تنله مثل ما لا يخطر ببالك فلم تقله.

4- الصّبر فيما يخاف حدوثه ونزوله، من نكبات ومصائب يتوقع حلولها فلا يتعجّل هم ما لم يأتِ فإنّ أكثر الهموم كاذبة.

وقال الحسن البصري: “لا تحملن على يومك همّ غدك فحسب كل يوم همه”.

5- الصّبر فيما يتوقعه من رغبات يرجوها، ومن نِعم يأملها، فإذا كان مع الرّغبة وقوراً وعند الطّلب صبوراً أبصر رشده وعرف قصده. وقيل الصّبر على الطّلب عنوان الظّفر.

6- الصّبر على المكاره والأوجاع، فبالصبر في هذا تتفتح البصائر ويسدّد الرأي، وتبعد الحسّاد، وتبطل مكايد الأعداء. وقال ابن عطاء: الصّبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب.

فإذا استشعرت النفس زوال الدّنيا، وتقضي آجالها هانت عليها المصائب، وإن الشّدائد قدّرها الله تعالى بأوقات لا تنصرم قبلها، ولا تستديم بعدها، وفيها الوقاية من الرّزايا بما هو أعظم من زريته، وأشد من حادثته، ولذلك قيل  إنّ لله تعالى في أثناء كل محنة منحة”.

وقيل للشّعبي في نائبة كيف أصبحت؟ قال: بين نعمتين خير منشور وشرّ مستور.

وإنّ الله تعالى مع الصّابرين، وإنه يوفي أجورهم بغير حساب. فالأدب مصباح الذات الإنسانية، وترجمان فضلها فالموحد الأديب، ذو الوقار والسّكينة، والحياء، والسّخاء، واللطيف والعفيف، نور في سماء الإنسانية جمعاء، تقتبس من بركاته وخيراته كل نفس توّاقة للفضل والإحسان، السّليمة من أمراض وآفات هذا الزمان، كما الأبصار تستنير بنور شمس النّهار وتقوى السّليمة منها على تلقي الأشعة والأنوار.

3- الأدب في طلب العلم:

قال السيد الأمير جمال الدين التنوخي قدّس الله سرّه في مكاتبته للشيخ أبي عبد القادر زين الدين ريّان:

“وقال بعضهم أجهل الناس من ترك العمل بما يعلم، وأعلم الناس من عمل بما يعلم، وأفضل الّناس أخشعهم لله والحكم جازم بأن العالم إذا لم يعمل بعلمه فليس بعالم، فلا يغتر الإنسان بتشدّقه واستطالته، وحذاقته وقوته في المناظرة والمجادلة، فإنه جاهل ليس بعالم، إلا أن يتوب الله عليه ويرجع يعمل بما يعلم.

وقال الله تعالى: “إنما يخشى الله من عباده العلماء”، فنفى العلم عمّن لا يخشى الله، فلاح لعلماء الآخرة أنّ الطّريق مسدودة عن الوصول إلى المعارف ومقامات القرب إلا بالزّهد والتّقوى، فبصفاء التّقوى وكمال الزّهد يصير العبد راسخاً في العلم… فالبشرى لمن عمل بما علم، والطّوبى لمن سلك.

كما قال من عمل بما علم ورّثّه الله علم ما لم يعلم، ووفّقه فيما يعمل حتى يستوجب الجنّة ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما يعلم، ولم يوفّق فيما يعمل حتى يستوجب النار. فمن ظنّ أنه يتوفق في العلم والعمل بمجرّد قواه، فهو في الدّرك الأسفل ومهواه. ومن إلتجا إلى الله سبحانه وزعم أنه متكل عليه وأهمل العلم والعمل واتباع مراسيم صفيّه المختار، فهو في الهاوية والنار، ومسرمد في غضب الواحد الجبار. بل إن الواجب على العبد إفراغ الجهد في تحصيل العلم، ثمّ يعمل بالعلم، ثم يستعين بالله تعالى في تحصيلهما، ثمّ يؤمل الوصول بالعناية الأزلية فهذا طريق الحق والوصول، وإلا الزّاعم أنه متكل بغير علم ولا عمل فهذا تجرّي على المعصية لا إتكال على الواحد سبحانه…”.

يُستدل من كلام سيدنا الأمير قدّس الله روحه:

1- إنّ طلب العلم فريضة كل موحد.

2- العلم الصحيح هو المقرون بالعمل والإخلاص.

3- العالم الحقيقي هو الزّاهد في الدّنيا وحطامها، والمتقيّ الله سبحانه حقّ تقاته.

4- طلب الإعانة من الله سبحانه قبل تحصيل العلم وأثنائه، والتخشّع إلى الله سبحانه بأن يجعل علمه وعمله مقبولين عنده.

5- العالم لا يعتّد عالماً إذا لم يخشَ الله، وثمرة خشية الله تعالى الإلتزام بأوامره ونواهيه.

فمن هنا يتجلّى الأدب في طلب العلم بأبهى صوره وقد قال بعض الحكماء: العلوم مطالعها من ثلاثة أوجه: قلب مفكر، ولسان معبّر، وبيان مصور.

فإذا عقل الكلام بسمعه فهم معانيه بقلبه، وإذا فهم المعاني سقط عنه كلفة استخراجها وبقى عليه معاناة حفظها واستقرارها، فإذا حفظها بعد الفهم أنست، وإذا ذكرها بعد الأنس رست.

وقال بعض العلماء: “من أكثر المذاكرة بالعلم لم ينسَ ما علم واستفاد ما لم يعلم”.

فالعالم هو الحافظ للعلوم، والدارس لها، والخائض في بحار معانيها، والحريص على تحصيل العلوم الناّفعة وترسيخها في قلبه. وقد قال الشّافعي:

علمي معي  حيثما  يَمّمتُ   يَنفعُني                  قلبي  وعاءٌ  له  لا  بَطنُ     صندوق

إن كنتُ في البيتِ كان العلمُ فيه معي                 أو كنتُ في السّوقِ كان العلمُ في السّوقِ

ومن آداب طلب العلم : التذلّل والصّبر، وقال بعض الحكماء: “من لم يحتمل ذلَّ التّعلّم ساعة بقى في ذلّ الجهل أبداً “.

ومعرفة فضل العلماء الأتقياء والإقتداء بهم ، وعدم التّقليد الأعمى، حيث لا ينبغي لطالب العلم أن يبعثه معرفة الحق عن قبول شبهة أو بدعة، وعدم الإنقطاع عن العلم، والإستكفاء بما علم، وترك البخل، فمن آداب العلماء أن لا يبخلوا بتعليم ما يحسنون ولا يمتنعوا من إفادة ما يعلمون، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿إنّ الذي يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بينّاه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون﴾ سورة البقرة آ 159.

ومن واجبات العالم الموعظة على قدر الحاجة واللّطف فيها وقال بعض العلماء: “كل علم كثر على المستمع ولم يطاوعه الفهم ازداد القلب به عمى، وإنما ينفع سمع الآذان إذا قوي فهم القلوب في الأبدان. وكذلك من واجبات العالم النّصح والرّفق، وعدم التّعنيف أو الإحتكار، ولا يمنع طالب ولا ينفر راغب.

4- الأدب في صحبة الأخبار :

“الصُّحبة إذا صحّت شرائطها كانت أخوّة”.

– ومن شرائطها ألا تحتمل المخاصمة، ولا المخاذلة ولا المجادلة، ولا الإستهزاء، ولا الإزدراء، ولا المزاحمة، ولا المغالبة، ولا الغيبة، ولا النّميمة، ولا قبح الظّن… وإن أجّل الإخوان وأتم الأصحاب، أحسنهم خلقاً، وأكثرهم أدباً، وأقدمهم صحبة، وأوفاهم عهداً، وأقلهم حقداً، وأوسعهم برّاً، وأعظمهم احتمالاً، وأصدقهم قولاً، وأصحهم وعداً، وأقربهم قلباً، وأصغرهم نفساً، وأكملهم عقلاً.

– ومن شروط الصّحبة أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وقد قال رسول الله (ص): “لا يُؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” رواه البخاري ومسلم.

فالمحبة المتبادلة بين الإخوان تسود العدالة في المجتمع وتنشر الطّمأنينة في النّفوس، ويقوم التّضامن والتّعاون فيما بينهم. ولا تستقر هذه المحبة في قلب المؤمن لأخيه إلا إذا طهّر قلبه من الأنانية والحقد، والكراهية والحسد…

ومن ثِمار هذه المحبة:

أ- أن يحب لغيره من الخير وفعل الطّاعات ما يحب لنفسه، وأن يبغض لهم من الشّر والمعصية ما يبغضه لنفسه أيضاً.

ب- أن يجتهد في إصلاح أخيه، إذا رأى منه تقصيراً في واجبه، أو نقصاً في دينه.

ج- أن يبادر إلى إنصاف أخيه من نفسه ويؤدي إليه حقوقه، كما يجب هو أن ينتصف لنفسه من غيره، ويحصل على حقه منه.

– ومن شروط الصّحبة أيضاً التّعاون والتآّلف، والتّناصر، والإجتماع على كلمة التوحيد.

وقال رسول الله (ص): “من نفّس عن مؤمن كُربة من كُرب الدّنيا نفّس الله عنه كُربة من كُرب يوم القيامة، ومن يَسّر على معسرٍ يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه… وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم  وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده.” (رواه مسلم ).

ويستوحى من هذا الحديث “أن المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم مثل جسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر”.

ومن ثمار التّعاون والتّناصر للإخوان:

أ- نصرته وتخليصه من الظلم.

ب- إقراضه المال إن احتاج إلى المال، أو سدّ حاجته الدّنيوية على قدر المستطاع.

ج- ستر عورة أخيه، وعدم تتبع عورته وزلاته ليفضح بين الناس.

ومما روي عن النبي: “من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة”.

د- عمارة المساجد فهي بيوت الله سبحانه يعمرها في أرضه المؤمنون، وعمارتها تكون بالذّكر الحكيم، والتّآلف، والتّصافي حيث تنزل على المؤمنين السّكينة، وتغشاهم الرّحمة، وتحفّهم  الملائكة، ويذكرهم الله فيمن عنده.

والنّصيحة لله تكون بالإيمان به سبحانه، والقيام بطاعته وتجنب معصيته… لأنّه سبحانه وتعالى غني عن نصح النّاصحين.

ونصيحة المؤمن لكتاب الله عز وجل: بقراءته وحفظه، لأن في قراءته اكتساب العلم والمعرفة، وحصول طهارة النفس، وصفاء الضّمير، وزيادة التّقوى… وبترتيله وتحسين الصّوت بقراءته، مما يجعل القراءة أوقع في النّفس، وأسمع في القلب، وبتدبّر معانيه، وبتعليمه للأجيال المؤمنة، وبالعمل بموجبه.

والنّصيحة لرسول الله تكون بتصديق رسالته والإيمان بجميع ما جاء به، وكما تكون بمحبته وطاعته محبة الله تعالى.

ومن أدب النّصيحة: أن ينصح المسلم أخاه المسلم ويعظه سرّاً، وقال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس النّاس فإنما وبخه.

وقال الفضيل: “المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعيّر”.

– ومن شروط المصاحبة المشورة حيث من الحزم لكل ذي لب أن لا يبرم أمراً ولا يمضي عزماً إلا ّبمشورة ذي الرأي النّاصح ومطالعة ذي العقل الرّاجح.

وصفات من تطلب منه المشورة من الإخوان المؤمنين الصّادقين:

أ- أن يكون ذا عقل كامل مع تجربة سالفة، فإنه بكثرة التّجارب تصح الرؤية وقيل: ” إياك ومشاورة رجلين: شاب معجب بنفسه قليل التّجارب في غيره، أو كبير قد أخذ الدّهر من عقله كما أخذ من جسمه.”

ب- أن يكون ذا دين وتقى، وناصحاً ودوداً.

ج- أن يكون له من الأمر المستشار غرض يتابعه ولا هوى يساعده.

والصّحبة الحقيقية هي على ثلاثة أقسام:

صحبة مع من فوقك وهي في الحقيقة خدمة، واتباع، وأدب، واقتداء… وصحبة مع من دونك وهي تقضي على المتبوع بالشفقة والرّحمة، وعلى التابع بالوفاق والرّحمة، وصحبة الأكفاء والنّظراء وهي مبنية على الإيثار والفتوة، والصّفح عن عثرات الإخوان وكفّ الأذى وبذل النّدى”.

وقد قال رسول الله (ص): “لا يزال الله تعالى في حاجة العبد ما دام العبد في حاجة أخيه”.

إذا، فالصّحبة محبة، وتعاون، وتصافي، ونصيحة، ومشورة، وأدب، وإيثار، وفتوّة.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

تصنيفات أخرى