أمَّ شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، صلاة عيد الفطر صباحا في مقام الامير عبد الله التنوخي في عبيه، بمشاركة فاعليات روحية وزمنية. وعقب الصلاة القى حسن خطبة العيد جاء فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلامُ على نبيّه المصطفى الأمين نبينا محمد (صلعم)، وآله وصحبه أجمعين، إلى يوم الدّين.
إنَّ اللهَ سبحانه وتعالى كرَّمَ بني الإنسان حين لم يُخْلِهِم من كتابٍ فيه الهدى والنُّور، يُثيبون به إلى رحاب الإيمان والتَّصديق والمعرفة. والكتابُ قائمٌ على قواعد الأمر والنَّهي ﴿وَتِلكَ حُدُودُ اللهِ وِمِن يَتعَدَّ حُدُودَ الله فَقَد ظَلَم نَفسَهُ﴾ (سورة الطلاق:1)، يُحقِّقُ المؤمنُ الموحِّدُ، عبر التزامِه المخلِص بها، مقاصدَ الباري العليمِ بذاتِ الصُّدُور.
إنَّ المؤمنَ، حين يقطفُ من قلبِه ثمراتِ الطَّاعة من خلال فريضة الصوم وثمرتها التقوى، فـتُــفـتَحُ لنفسه آنذاك أبوابُ المعاني واللطـــائف، ويُـكشَفُ لهَا حجابُ الحيــــــاةِ الدُّنــــــــيا، ﴿واللهُ يَهــدِي مَن يشاءُ إلى صراطٍ مُستقِيم﴾ (سورة البقرة:213) واذا بلغ الفطر لا بُدَّ من أن تنجلي عن بصيرته كلُّ غَشاوَة، وأن ينقشِعَ من ذِهنه كلُّ التباس، ليرى الحقَّ واضحًا كلّ الوضوح، في نفسِه، وفي عائلته، وفي مجتمعه، وفي بلدِه، وفي أمَّتِه، يريدُ به الصَّالحَ وفق ما بصَّرهُ اللهُ تعالى من حِكمةٍ ومن حُسن تدبير، يُبرِّئُ ذمَّتَهُ، ويحفظُ عهدَهُ، فلا يخرجُ من رياضِ الطَّاعةِ إلى قَفر المعصيَة. هذا الأمر الجليل ينطبقُ على العموم، والخَلقُ كلُّهم عند الله سواسيَة، لا يُحاسب فقيرٌ بغير ما يُحاسبُ عليه غنيّ، ولا يقفُ ذو حسَبٍ ونسَبٍ أمام الله يوم الحسابِ بغير ما يقفُ أمامه مَن لا حسَب له سوى عملِه، ولا يُبرَّاُ حاكمٌ بغير ما يُبرَّأُ به فردٌ من الرَّعيَّة. قال اللهُ تعالى ﴿فإذا نُفِخَ في الصُّورِ فلاَ أنسابَ بينَهُم يَومئذٍ ولاَ يتسَاءَلُون﴾ (المؤمنون 101). هذا ما تعلَّمناهُ من دِينِ الله عزَّ وجلّ، وهذا ما يجبُ أن يكونَ ثمرةَ العبادات، وهي في شهر رمضان ذات برَكَة ويُمْن إن وُفِّقَ المؤمنُ في مسعاه.
ولا يستقيمُ معنى لِما تقدَّم دون انعكاس آثاره في المجتمعِ وفي الدَّولةِ. وإنْ كانت العبادةُ شأنَ المؤمنين، فإنَّ الضميرَ الإنسانيّ، والذِّمَّةَ التي نفهمُها حقيقة الكيان البشريّ العاقل، همَا شأنُ الخلق قاطبة، خصوصًا مَن هُم في مواقع القرار والمسؤوليَّة والحُكم، فما حالُ مجتمعِنا، وما حالُ دولتنا ومَن يتربَّع فيها على كراسي السُّلطة والإدارةِ والشأن العام؟ هل يرتقي أهلُ الحُكم إلى مستوى الأخطار المخيفة المحدقة بنا من كلِّ صوْب؟ هل يبادرون بشجاعةٍ إلى الإقدام على عملٍ مثمرٍ يحرِّكُ آليَّات الممارسة الديموقراطيَّة . إنَّنا قلِقُون حين يتبادر إلى ذِهننا ما هي الأجوبة الصادقة لهذه الأسئلة المشروعة التي هي في كلِّ حال لسان اللبنانيّين جميعًا.
ولا بدّ أن يعلو نداء العقل، ونداء الوعي، ونداء الاعتدال، وصوت الدولة، وهمس الضمير، وأن نتيقّن جميعاً أن بقاء بلدنا هو الحماية للجميع، وأن لا إمكانية أبداً للنجاة في هذا البحر المتلاطم إلا بتعاون تام وتكافل وتضامن وإلتزام بمنع التوتر واعتماد المنطق والحوار، وإبعاد لبنان عن أتون الفتنة، وعن التورط في حسابات الآخرين، وفي التيقظ الدائم للعدو الإسرائيلي.
ومع الواقع نرى بعضَب وارقِ الأملِ في رجالٍ يسعَوْن جهدَهم لعبور بحر العواصف بأقلّ خسارة. كذلك، نقوى بما نرى عليه جيشَنا المخلِص لشعاره الوطنيّ. نراه ثابتًا، يقِظًا، مستبسِلا، وفــيًّا، يقدِّمُ التضحيات، ويبذل مع كافة القوى الأمنية الجهود الكبيرة ذَوْدًا عن شعبِ لبنان الواحد، اننا ندعم الحكومة الحالية دعماً للاستقرار وندعو الى الاسراع في انتخاب رئيس توافقي للجمهورية من أجل أن تستقيمَ السياسةُ الوطنيَّة على قواعد الدّستور وينتظم عمل المؤسسات الشرعية، كي يبقى لبنان في دوره العربي والدولي نصيرًا للقضايا العادلة، وملاذًا للمضطَهَدين، وفسحةً للحرِّيَّة. ونحنُ لا نرى أرزةً لبنانيَّة يُمكنُ أن تُغرَسَ خارج هذا الحقل الإنسانيّ المستنير .
ان ما يجري في المحيط يدفعنا إلى التمسك أكثر من أي وقت مضى بدعواتنا السابقة إلى لمّ الشمل وتأكيد الوحدة الإسلامية – الاسلامية، وتاكيد الوحدة الوطنية الاسلامية المسيحية فذلك وحده يقطع الطريق على كل أشكال التطرف والتهديدات المتأتية عن سلوكيات مشبوهة ترمي إلى زرع الفتن بين المسلمين.
فيما خصَّ طائفة الموحِّدين الدّروز، فإن نهجنا هو نهجٌ ميثاقيٌّ ووطنيٌّ لبنانيًّا، وعروبيٌّ متأصِّلٌ ومُدركٌ للبُعدِ الإسلاميِّ في رؤياه الشُّموليَّة. ولا ضيْر من تكرار التأكيد على ثوابت بني معروف التاريخيَّة، وتمسكهم بانتمائهم الى ارضهم، ودينهم الإسلامي الحنيف دين التسامح والاعتدال والى هويتهم العربية .
وإنَّنا نحذِّرُ أبناءَنا في أيِّ مكان من مختلفِ الدسائس والمحاولات المشبوهة الهادفة إلى توريطهم بشكلٍ أو بآخَر في منزلقاتٍ ذات عواقب وخيمة، داعين إلى الالتفافِ دومًا حولَ شعاراتهم التَّاريخيَّة التي بذلوا في سبيلها الدِّماء الغالية دفاعًا عن أوطانهم وأمَّتِهم، ولن يكون الموحدين الدروز الا مكابدين في سبيل الوحدة الإسلامية، حافظين لعرضهم وإخوانهم، متمسكين بأرضهم وأوطانهم، فهذا تاريخم وحاضرهم ومستقبلهم الدائم.
نسأل الله أن يُلهمَنا للصَّواب، وأن يسدِّدَ خطانا في كلِّ سبيلٍ صالح، وأن يرجِّحَ في قلوبِنا حبَّ الخير على كلِّ ما سواه، وأن يمنَّ على بلدِنا وعلى شعوبِ أمَّتنا، خصوصًا في فلسطين وسوريا والعراق واليمن، بالأمنِ والاستقرار والعدل والفرَج، وأن يعيدَه علينا وعلى شعوبِ أمَّتنا بالهدى والأمان والعزَّةِ، لا إله إلا هو، العليم الخبير، السميع المجيب.
عبيه في 1 شوال 1436 هـ.