بحث ..

  • الموضوع

العفو

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

تعريف العفو :

لغة : العفو مصدر عَفَا يَعْفُو عَفْوًا، فهو عافٍ وعَفُوٌّ، والعَفْوُ هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المـحو والطمس، وعفوت عن الحق: أسقطته، كأنك محوته عن الذي عليه .

اصطلاحاً: هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب وأصله المحو والطمس .

وقيل : العفو هو التجافي عن الذنب.

فضل العفو :

وردت مادّة العفو في القرآن الكريم حوالي خمسة وثلاثين موضعا ، حثّ فيها سبحانه على التجاوز عن الذنب والتسامح والمصافاة بين الناس . ومن ذلك قوله تعالى :

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}

وجاء بعد نزول هذه الآية أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ما هذا يا جبريل ؟ ” قال : إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك ” . فامتثل عليه الصلاة والسلام لما أمره به خالقه ، فكان العفو منقبة من مناقبه الكريمة فزاده عزّا ورفعة وهو القائل : ” … ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد إلا رفعه الله ” .

وكذلك فقد دعا السيد المسيح ( ع ) – من قبل – إلى العفو والتسامح والتصقت به صبغة المحبة فأصبح رسولها ، وهذه دعوته في الإنجيل يقول :

” لا تقاوموا الشر . بل من لطمك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضًا ، ومن أراد أن يخاصمك وأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضًا ، ومن سخرك ميلًا واحدًا فاذهب معه اثنين ” .

وبما أنّ العفو من شيم أهل الفضل ، فلابدّ أن يجد له بين الصحابة مكانا رحيبا ، بل إنّ صدورهم فِناء واسع ، وأرض خصبة لحلوله فيها  ، وها هو الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري ( ر) يعطي دروسا للمسترشدين في العفو والحلم والأناة ، وقد قال لغلامه يوما : ” لم أرسلت الشاة على علف الفرس ؟ أي تأكل من طعامه ، فقال : أردت أن أغيظك ، قال أبو ذر : لأجمعن مع الغيظ أجرا ، أنت حرّ لوجه الله تعالى . “

وإذا كانت هذه الخصلة من خلق الكرام فهي أجدر وأولى بين ذوي الأرحام ، فالواجب على الإنسان الانطلاق من بيئته ، فيكون ليّن الجانب سهل الطبع عافّا متسامحا ،  سالم القلب من الضغينة والحقد . وأن يكون عفوه وتسامحه في الدنيا طلبا لرضى الله سبحانه وتعالى ومغفرته في الآخرة . فبذلك تقع في قلبه لذة أيما لذة لأنها متبوعة بحمد العاقبة ،  أمّا حلاوة التشفي والانتقام فهي مصحوبة بالذم والآثام ؛ لأنّ في ثناياها رؤية للنفس وحبًّا للجاه ، وكما قال الأمير السيّد عبد الله التنوخي ( ق ) : ” من آثر في الدنيا طلب الجاه لم يبلغ في الآخرة ما يتمنّاه ” .

و إنّ الحديث ليتسع في ذكر ما للعفو من محاسن لو أردنا تسطيرها هاهنا لعجزنا ولا شك ، ولكننا نكتفي بما ذُكر ، وعسى أن يكون فيه عبرة للمسترشدين لنبذ الكراهية . والحثّ على المحبة والتسامح لنيل عيش هانئ رغيد .  والقلوب النقيّة تستمال بأدنى موعظة .

وخير ما نختم به هذا الموضوع قصتان من تراثٍ غير بعيد ، لشيخنا الجليل ذي الرأي السديد ، سيّدنا الشيخ أبي حسين محمود فرج رحمه الله .

 القصة الأولى عندما طلب من أحد الإخوان – بعد خصومة وقعت مع أخ آخر –  قراءة وصية لقمان الحكيم ( ع ) ، وهو يصغي إليه إصغاء الألبّاء فلمّا وصل في قراءته إلى القول : يابني من عاملك بالقبيح فعامله بالمليح وكلٌّ يلقى عمله ، طلب منه سيّدنا الشيخ أن يعيد القراءة ، فأعادها ، فقال رحمه الله : ” يا خيي ما قال من عاملك بالقبيح فاصبر عليه واكتفى ، بل قال عامله بالمليح ” .

والقصة الثانية : أنه قال لأحد الإخوان الذي جاء شاكيا : أتحبّ الحق أم الأفضل منه ؟ فقال الشاكي : وما الأفضل ؟ فأجاب المرحوم الشيخ : هو الذي له حق ويعفو .

                                                                       اللجنة الدينية

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

تصنيفات أخرى