أحيت اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز الذكرى السنوية الأولى لرحيل الشاعر الفلسطيني سميح القاسم بحفل في قصر الاونيسكو، حضره سفير دولة فلسطين أشرف دبور، النائب غازي العريضي، شخصيات سياسية وأمنية وعسكرية وقضائية ودينية وتربوية وأدبية.
ابو المنى
وبعد قصيدة ألقاها عريف الحفل الدكتور صالح زهر الدين، تحدث رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الشيخ سامي ابو المنى، فقال: “إسمحوا لي بدايةً أن أنقلَ إليكم تحياتِ شيخ عقل طائفة الموحِّدين الدروز الشيخ نعيم حسن، مبارِكاً هذه الذكرى الكريمة، مُحيّياً روحَ الشاعر سميح القاسم الذي كان المثلَ والقدوةَ في إطلاقِ شعر الثورة والانتفاضة منذ عشرات السنين”.
اضاف: “ها هي الذكرى السنويةُ الأولى لرحيل الشاعر العربي الفلسطيني المناضل سميح القاسم، تمرُّ، ونحن منشغلون عنه وبه، فعذراً من محبّيه لأننا تأخرنا عن إقامة الحفل في موعده المناسب في أواخر شهر آب الماضي، على الرغم من جهوزية الكتاب الذي أصدرته اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز لهذه المناسبة، وعذراً من سميح القاسم، إن كرّرنا التكريمَ، باسم المجلس المذهبي، وهو مَن كان وطنيّاً عروبيّاً تقدُّميّاً بامتياز، وليس طائفيّاً منغلقاً، إلّا أننا بتكريمِه إنّما نُكرِّمُ نهجَ المعروفيينَ العروبيينَ التقدُّميين، فنبعثُ إليه ألفَ تحيةٍ، ونُقيمُ ذكراهُ المتجدّدةَ كلِّ يوم، ونُردِّدُ شعره في كل قاعة ومكان، ونعتزُّ به اعتزازَنا بكبار القادة والأعلام والمناضلين، لأنّهم الرمزُ والقدوةُ في ما قدّموه وفي ما أنشدوه من أجل القضية ومن أجل الوطن”.
تابع: “لقد أردنا هذا اللقاءَ مناسبةً للوفاء لشاعرٍ زخرت حياتُه بعشق فلسطين، وفاض حبُّه لها شعراً أصيلا نابعاً من إيمانٍ بالقضية، وصاعداً من قلبٍ متألّمٍ مقاوم، فارتبط اسمُه بها، ولم يغادر أرضَها وقضيتها… حلم بالوطن فسمّى ابنه “وطن”، وغنّى له أجمل القصائد، وشاهدَ بأمّ عينه النكباتِ والمآسيَ التي حلّت بشعبه، فرفض الخنوعَ والتجنيد والسياسةَ الصهيونية الحاقدةَ المغتصِبة، ودفع الثمن باهضاً، سَجناً وقهراً، لكنه تفجّر غضباً وشعراً، ولم يكن ليتألّق ويتميّز لولا ذلك الألمُ ولولا ذلك الغضب”.
واشار ابو المنى الى أن “الاحتفالَ اليومَ لنؤكد، معاً، أنّ سميحَ القاسم باقٍ في ذاكرة الشعب الفلسطيني والشعب العربي، ولا يحقّ للأمّةِ أن تنساه مهما طال الزمن، ومهما تشتّتتِ القضايا. لقد كرّمناه في عاليه فور رحيله، وكرّمته منتدياتٌ وجِهات عديدةٌ في الوطن العربي، ونكرِّمُه تكراراً لأن في ذلك تكريماً للقضية الفلسطينية، وللهويّة العربية، ولرافضي الطائفية والمذهبية، وهو مَن كان معتزّاً بانتماء طائفته إلى العروبة، مقدّماً النموذج الصحيح والصالح عن مجتمعه المعروفي، متماهياً مع إخوانه الفلسطينيين، منطلقاً من “بيئته الضيقة إلى بحر العروبة الواسع”، كما قال عنه وليد جنبلاط”.
وأوضح بأن “احياء ذكرى القاسم، جاءت لنؤكّد للقريب وللبعيد بأنَّ تراث الموحدين الدروز وتاريخَهم هو تراثُ وتاريخُ النضال والدفاع عن الثُّغور، والاستشهادِ في سبيل كرامة الأوطان والأمّة، وفي ذلك ردٌّ على المسيئين، قديماً وحديثاً، وتأكيدٌ على نهجٍ ومسارٍ، وثباتٌ على رسالةِ العروبة والتوحيد، التي تبقى ناصعةَ المضمون والغايات، مهما تبدّلت أساليبُ النضال، ومهما تنوّعتِ التحدّيات. تلك هي وصية الأجداد من لبنانَ إلى فلسطينَ إلى سوريا وكلِّ مكان… رسالةٌ واحدة ونبضٌ عروبيٌّ وإسلاميٌّ موحَّد، وأُخوَّةٌ وطنيةٌ جامعةٌ قويَّة، وإرادةٌ للمحبةِ والتسامح والعيش الواحد المشترك تفوق كلَّ الإرادات وترتفعُ فوق كلِّ الفتن والأزمات، وعنفوانٌ متجدّدٌ، غنّاه سميح القاسم، منتصبَ القامة، مرفوع الهامة، مقاوماً ثائراً متمرّداً، فاستحقَّ تنويهَ وتقديرَ القائد الفلسطيني الرمز ياسر عرفات، واستحق تكريمَ الرئيس محمود عباس وغيرِهما، وحمل على كتفه الوسامَ والنعشَ، وظلَّ شامخاً حتى آخرِ نبضٍ في عروقه، مدافعاً عن كرامة الوطن والشعب، مجسِّداً تراثَ آبائه وأجداده وتطلعاتِ الشباب الفلسطينيِّ العربي، حالماً بوطن العزّة والكرامة والاستقلال”.
واكد أن “صوت سميح القاسم ما زال مُدوّياً ومهدِّراً، كما كان بالأمس مع رفاقه الشعراء، وبالأخص مع توأمه محمود درويش، كأني بهما يباركان الانتفاضة، ويشدّان على أيدي المنتفضين في وجه العدوِّ الغاشم المتغطرس، ويدفعان باتّجاه إحقاق الحقّ الفلسطيني، بقيام دولة مستقلة، عاصمتُها القدس الشريف، وكأني بهما يفرحان بالعلم الفلسطيني مرفرفاً في فلسطين وفوق الأمم المتحدة ومعظم بقاع الأرض، وداعين إلى استمرار النضال من أجل أن يكون لذلك الارتفاعِ معنىً يتجسّدُ حلاًّ شاملاً عادلاً، وتسويةً منصِفةً للشعب الفلسطيني ولدماءِ الشهداء ولتضحيات المقاومين ولدموعِ الأمهات والأطفال ولآلامِ العجزة والمصابين”.
وتابع ابو المنى قائلاً: “تحيةً لسميح القاسم، وتحيةً لعائلته الفلسطينيةِ العربيةِ المعروفية، والشكرُ كلُّ الشكر لكلِّ الأوفياء، للخطباء الكرام، ولرفاقي في اللجنة الثقافية وللمديرية العامة في المجلس المذهبي ولمؤسسة العرفان التوحيدية، وليكن هذا الكتاب الذي يضمّ العديد من الكلمات والمقالات والشهادات التي قيلت في سميح القاسم وبعضاً من كلماته والمحاورات التي أجريت معه، والتي جمعناها على قدر ما استطعنا تأمينه وتوثيقه، والذي نقدّمُه لكم اليومَ هديةً باسم اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي”.
اضاف: “ليكن هذا الكتابُ عربونَ تقدير لسميح القاسم، وعربون اعتزازٍ بشاعر الثورة والقضية، الذي سنظلُّ نعتزُّ به وننسجُ على منواله، كما اعتزينا بأمثاله من أعلامنا الكبار ومناضلينا الشرفاء، من سلطان باشا الأطرش وشكيب أرسلان وكمال جنبلاط وغيرِهم الكثيرين من رجالنا، إلى كلّ الشهداء والمدافعين عن الحقّ والكرامة، وليس آخرَهم شهداءُ الكرامة في جبل العرب، وتحيةً إلى الضحايا الأبرياء الذين يسقطون هنا وهناك، في لبنانَ وسوريا والعراق وليبيا وغيرِ مكانٍ من العالم، والذين تجتاحُهم الأحقادُ ونزاعاتُ الأُمم وصراعاتُ المصالح واستقواءُ الحكّام المتسلّطينَ وتطرُّفُ المجرمينَ التكفيريين. وتحيةً أكبرَ إلى فلسطينَ وانتفاضتِها، وإلى الرافضينَ سياسةَ العزل والتجنيد والتهويد، تحيةً إلى المناضل المعروفيّ الفلسطيني سعيد نفّاع في سِجنه، تحيةً من أهلِه المسلمينَ المؤمنينَ الموحِّدينَ، وإلى كلّ المناضلينَ والمقاومينَ الفلسطينيين”.
وختم قائلا: “كم نحتاج اليومَ أيُّها الأخوةُ إلى أمثالِ سميح القاسم، بشعرِه المقاوِم الملتزِم، وصوتِه المنبريِّ المجلجل، وعنفوانِه وصدقِه وثقافتِه العالية؟ وكم يحلو الكلامُ فيه وعنه، وهو ما سنسمعُه الليلةَ من الأخوة الخطباءِ، معالي الوزير غازي العريضي وسعادةِ السفير أشرف دبُّور وحضرةِ القاضي الرئيس غالب غانم وحضرة العميد الدكتور هاشم الأيّوبي وحضرة الشاعر الجنوبيّ مصطفى سبيتي، وما سمعناه ونسمعُه من مقدِّم الاحتفال الدكتور صالح زهر الدين، مشكورين على التلبية والتعاون، لتبقى الثقافةُ دائماً، كما نريدُها، ميدانَ حريةٍ ومحبةٍ وانفتاحٍ وارتقاء، وليبقى القاسم مقاوماً ملهِماً بشعرِه، كما القسّامُ بشهادته ومقاومتِه”.
وها أنا أخاطبُ سميحَ لأختمَ ببعض ما قلتُه في تكريمه الأول:
يا شاعرَ الثـورةِ الكبرى مددتُ يـدي | مُعانقــاً فيــك أحلامي ومعتقــدي |
مَشَيتَ مُنتصبـــاً، أنشدتَ ملتهبـاً | حملتَ نعشَكَ، مــا ﭐستسلمتَ للعُقَــدِ |
فكنتَ جمراً على الأعداءِ، تُحرِقُهم | وكنتَ للأرضِ دفءَ الوعدِ، إنْ تَعِدِ |
حملتَ هــمَّ فلسطيـنَ التي ﭐغتُصبتْ | وما ركعتَ، ولـم تجبُـنْ وتبتعـــدِ |
قاومتَ بالشعـرِ للتحرير، رُبَّ يـــدٍ | للشعرِ، أقــوى من السجَّـانِ والزَّرَدِ |
يا شاعرَ الكرمِ والزيتــونِ، وافــرةٌ | غلالُ شعركَ، تُهديها ليومِ غــدِ |
فأنت مــن دمِ عيسى ساكبٌ عِبَــراً | ومن محمَّدَ زيتُ النـورِ في مَــــددِ |
وأنت من نبعةِ التوحيـدِ منطلــــقٌ | تستخرجُ الدرَّ من زنزانــةِ الصَّفــدِ |
في القلبِ رَيحانةٌ، في القلبِ عوسجةٌ | ترنيمةُ الشمسِ، أم أُهزوجةُ البَرَدِ |
يا أيُّها القاسمُ القسّامُ، مَفخرةً | لولاكُما الوعدُ لم يُولَدْ ولم يَلِدِ |
دبور
من جهته، قال السفير أشرف دبور: “سميح القاسم غادرنا مرتفع القامة نحو البهاء، كما شعبنا الفلسطيني مرتفع بقامته”. وتلا قصيدة “تقدموا” للراحل، ناقلا بعض أقوال من كتبه بيوم النكبة وعن انتمائه الفلسطيني والعربي. وقال: “الامة العربية التي افتخرت بها سجلت اسمك في لائحة مقاومي الاحتلال”. وعرض مراحل حياة القاسم واعتقال الاحتلال الاسرائيلي له، مؤكدا “الوفاء للشاعر الذي رفض تجزئة الامة الى طوائف ومذاهب”.
غانم
بدوره، أشار رئيس مجلس القضاء الاعلى السابق القاضي غالب غانم الى “الشعر الملازم للقضية منذ بدايتها”، لافتا الى “جراح كلمات الشاعر القاسم الذي أسس للقصيدة الحديثة بما حملته من مقاومة وانكسار وتمرد وسلاح وبندقية وغصن زيتون”، مركزا على “جمال اللغة” في قصائده. وقال: “كان القاسم من ابناء التراث والانفتاح على القصيدة الحديثة لا من مقلديها، ومن المناضلين من اجل قضية دخلت عالم الشعر وعوالمه. بعد حوالي خمسة عقود أتذكر قصائد القاسم حيث كانت بيروت قبلة الاحرار وحاضنة قضيتهم الكبرى”.
الايوبي
أما عميد كلية الآداب والعلم الانسانية في جامعة “الجنان” الدكتور هاشم الايوبي فلفت الى “قصائد الشاعر الملتزم، بكل ما يحمله الالتزام من معنى الاصالة”، مشيرا الى أن “شعره كان ينبض بالحياة، مدهشا في التقاط ما لم تلتقطه العين وخاصة ما يتعلق بفلسطين”. وقال: “قصائده ومضات تدخل الذاكرة ولا تخرج منها، انها العشق لكل تفاصيل الارض، تبدأ معه من فلسطين وتمتد الى الامة العربية وعواصمها”.
سبيتي
وألقى الشاعر مصطفى سبيتي قصيدة من وحي المناسبة.
العريضي
وقال معالي الأستاذ غازي العريضي: “انها تحية وفاء لسميح من ابناء قومه وابناء قوميته، هكذا نحن اليوم وكما كنا. من بيروت سيدة العواصم العربية، خرج ذاك الصوت وتلك القضية الفلسطينية وشعبها المظلوم، وها هو كمال جنبلاط يتصدر طليعة المناضلين اللبنانيين من اجل فلسطين”. واستذكر “كيف ان كمال جنبلاط مشى ولم يخف الموت بل استقبله منتصب القامة عندما اصابته رصاصات الغدر”.
وصف كلمة سميح القاسم في موقفها بأنها “قناطير”، وقال: “لم يترك فلسطين الا نادرا، لم تكن له اطلالات كثيرة على المنابر، وكانت كلمته حاضرة في حياته وأقوى في مماته، كان الشخص الرمز وحركة ثورية فلسطينية عربية انسانية واخلاقية”.
أضاف: “مشينا وراءه مع تكون وعينا السياسي، وساهم في تعلقنا بفلسطين، كانت كلمته تلازم السكين التي يستخدمها ابناء شعبه وجيله، كان يعرف ان الموت حق لكنه استدعاه وتحداه بكل قوة وعنفوان. هكذا كان شجاعا وادرك الحقيقة والحق وواجههما”.
وكشف أن “القاسم هو كاتب ميثاق القدس العاصمة الموعودة لفلسطين وشعبها”. كما وعرض وقائع لقاءاته مع الراحل في عمان، ضمن اطار الوفد الذي ترأسه النائب وليد جنبلاط للقاء وفد ابناء الطائفة الدرزية في فلسطين.
واستذكر العريضي حواراً دار بينه وبين الراحل عن القدس، متوقفا امام “الهبة الفلسطينية التي انطلقت من القدس والتي لا تزال مستمرة لان حكومة الارهاب برئاسة رئيس العصابة نتنياهو، تريد طرد فلسطين واقتلاع اهلها من القدس وبناء جبل الهيكل”.
ورأى ان “السكين الفلسطيني أحرج الاسرائيليين، وانزل الرعب في نفوسهم”، آسفا ل”ملايين الدولارات التي ينفقها العرب على شراء السلاح والاقتتال”، متسائلا: “ماذا لو انهم اعطوا هذه الاموال لدعم فلسطين؟”.
وشدد على ان “الشعب الفلسطيني لم يستسلم”، معربا عن ألمه عند “الحديث عن الارهاب وكيف ان وزيرة خارجية السويد كانت الوحيدة التي ربطت بين الارهاب واسرائيل، وكذلك انكارها إسرائيل”. ولفت الى أن “العالم لم يتحدث عن ارهاب بحق الشعب الفلسطيني”، معربا عن يقينه بأن “الشعب الفلسطيني سينتصر مهما طال الزمن وان كانت الكلفة كبيرة”.