عقدت الهيئة العامة للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز اجتماعها الأخير لولاية المجلس الحالية التي تنتهي بداية أيلول القادم في دار الطائفة في بيروت برئاسة رئيس المجلس سماحة شيخ العقل للطائفة الدكتور سامي ابي المنى، وحضور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط، وزير التربية والتعليم العالي القاضي عباس الحلبي والنواب: مروان حمادة، هادي أبو الحسن، وائل أبو فاعور وفيصل الصايغ، ورؤساء اللجان والأعضاء، لمناقشة قضايا إدارية وشؤونا داخلية متصلة بعمل المجلس.
كما تناول المجلس التطورات والمستجدات الحاصلة على مستوى لبنان والمنطقة، وأصدر في ضوئها بيانا، دعا خلاله “المجتمع الدولي الى تحمل مسؤولياته وممارسة اقصى الضغوط على إسرائيل، لوقف فوري للنار في غزة وجنوب لبنان والامتثال للقرارات الدولية ذات الصلة واحترام المواثيق الإنسانية”، مستنكراً ما “ترتكبه إسرائيل من حرب تدميرية وجرائم اغتيالات وفظاعات إنسانية”، وداعياً “لوقف عدوانها المستمر وعدم توسيع حمّى حربها، في ظل تعاظم التهديدات والردود، التي تجاوزت الحدود، وبما يهدد باحتمالات واخطار مفتوحة”.
واكد البيان على “أهمية التضامن الداخلي في مواجهة التحديات الكبيرة للوطن وبذل الجهود الممكنة من قبل مختلف القوى السياسية، في لحظة مصيرية دقيقة، تكون الأولوية فيها لما يحفظ الوطن ويصون الكيان ويحمي الدولة ومؤسساتها ولا سيما الأمنية منها، كي تقوم بالمهام المناطة بها، لتوفير الحد الأدنى من الاستقرار، حيث انه من واجب الجميع الالتفاف حولها وتقديم الدعم لها”.
وتوّجه البيان الى أبناء الجبل خصوصاً، داعياً إلى “التضامن الوطني والى احتضان أبناء الجنوب والضاحية كضيوف مكرّمين في المنازل والبيوت والمؤسسات، تحت المظلة الوطنية التي تجمعنا جميعا، وانطلاقا من القيم الأخلاقية والإنسانية والتكافل الاجتماعي والأهلي على مختلف المستويات، ورفض أي استغلال مادي من أصحاب الشقق السكنية والمنازل لمن اضطرتهم الحرب لترك منازلهم قسرا”.
وبعد افتتاح الجلسة القى سماحة الشيخ ابي المنى كلمة، قائلا:
الحمد لله على جزيل إنعامه ومِننِه، الحمد لله على ما أعطى ووهب وعلى ما منع وحجب، الحمد لله على الهداية والرعاية والعناية…
حضرة أعضاء المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز الكرام
أُحيّيكم تحيةَ المحبة والتقدير مع قرب انتهاء ولاية مجلسكم الكريم، أخوةً وأخواتٍ أعزَّاء، وأشكركم على التضحية والتعاون على مدى ستّ سنوات بدأت في أوائل شهر أيلول2018، وتنتهي في بداية شهر أيلول القادم، ثلاث سنوات ونيّف برئاسة سماحة الشيخ نعيم حسن المبارَكة لهذا المجلس وسنتان وتسعة أشهر برئاستِنا، وقد قُدِّر لهذه التجربة أن تُخاض في ظلّ تغيُّراتٍ وتحدياتٍ اجتماعية واقتصادية ووطنية وإقليمية صعبة.
وبالرغم من كلِّ الظروف المعيقة والاستثنائية، فإننا نؤكد على أهمية التجربة وعلى قدسية الواجب الذي يدعونا لخدمة طائفتنا ووطننا، من خلال دور المجلس والمهمات المنوطة به كهيئة عامة وكهيئة إدارية وكلجانٍ فاعلة وكأعضاء ممثِّلين لقطاعاتهم المختلفة؛ هذا الدور الواسع الشامل في المجالات الاجتماعية والدينية والثقافية والاغترابية، إضافةً إلى المجال الوطني العام، والتي تحتاج جميعُها إلى مواكبة إدارية ومالية دقيقة وشفّافة، وإلى اهتمامٍ بشؤون الأوقاف حفظاً لها وصيانة واستثماراً، لتكون الرافدَ الأغنى لدعم مشاريع المجلس ولجانه ولتغطية القسم الأكبر من حاجات عائلاتنا وأبنائنا الدينية والثقافية والصحية والتعليمية والاجتماعية، وللنهوض بمجتمعنا وتحصينه في مواجهة التحديات.
باستطاعة مجلسكم الكريم أن يحاسبَنا أو أن يعذرَنا في ما قمنا به أو ما لم نقم به، لكننا في مطلق الأحوال قدَّمنا ما استطعنا من جُهدٍ، وحافظنا على المؤسسة بالرغم من كلِّ شيء، تعضدُنا قيادةٌ حكيمة ثابتة معطاء، متمثِّلة بالزعيم القائد وليد بك جنبلاط ورفاقِه الكرام، وتحتضنُ عملَنا الشريحةُ الأوسعُ من مشايخِنا الأجلَّاء وأبناءِ طائفتِنا الأوفياء، إن لم نقلْ جميعُ أبناء الطائفة، وتواكبُ مسيرتَنا علاقاتٌ وطنية مميّزة مع إخوانِنا في جميع الطوائف وعلى امتداد الوطن.
من هذا الموقع ومن هذا المكان، كانت لنا اجتماعاتٌ ومواقفُ في محطاتٍ مفصلية، منها تلك المتعلِّقة بوضع إخوانِنا في سوريا المنتفضين لكرامتِهم ونَيل حقوقِهم، والمؤكدين تعلُّقَهم بوطنِهم الواحدِ الموحَّد، ومنها تلك المتعلِّقة بمواجهة العدوان الإسرائيلي المتمادي في فلسطين المحتلَّة ووضع إخواننا الموحّدين المعروفيين هناك، ونداءاتنا المتكررة لهم للتمسُّك بهويَّتِهم الروحية والوطنية، والالتزام معَ إخوانِهم الفلسطينيين بحقِّهم المطلَقِ بالسيادة على أرضِهم والعيش الآمن والمستقرّ، ورفض سياسات التهويد ومحاولات سلخِهم عن تراثِهم التاريخي ومجتمعِهم العربيِّ الإسلاميِّ.
ومن هذا الوقع وهذا المكان أطلقنا الأفكارَ والمبادرات من أجل نهضة الطائفة والمساهمة في نهضة الوطن، وقد حققتْ بعضُ اللجان إنجازاتٍ ملموسةً، نأملُ أن نعملَ في المجلس المذهبي الآتي لاستكمالِها ومتابعتِها،
أولُها ما هو مرتبطٌ باستثمار الأوقاف، ليس فقط في مجال تأجير بعض عقاراتِها، كما تحقَّق في المدرسة المعنيَّة في بيروت والتي تمكنت لجنة الأوقاف مشكورةً من عقد اتفاقٍ يُعيد للمدرسة وهجَها التاريخي ويُحقِّقُ الدخلَ المقبولَ نسبياً على مدى خمس عشرة سنة، بل أيضاً في مجال خلق مشاريعَ تنمويةٍ صناعية وزراعية وبيئية على أراضي الأوقاف، بالشراكة مع القطاع الخاص ومع المنظّمات الداعمة،
وثانيها في مجال الشؤون الاجتماعية، وقد أنجزت اللجنة الاجتماعية ما أنجزته في مجال الاستشفاء والرعاية عبر برنامج التعاضد الاجتماعي “سند” المفترض تطويرُه ومأسستُه ودعمُه، أم عبر مركز الرعاية الصحية والأُسَرية في عاليه وما يقدِّمُه من خدماتٍ تتّسعُ شبكتُها يوماً بعد يوم، وهو ما يُستحسنُ تعميمُه على أكثرَ من منطقة.
وثالثُها في مجال الشؤون الدينية، وما أُنجزَ منها عبر اللجنة الدينية، من تقدُّمٍ مدروسٍ في عمل الكلية الجامعية في عبيه التي تحتفل بعد أيَّامٍ بتخريج دفعتها الثانية، والتي نأمل تطويرَها وتوسيع مجالاتها وآفاقِها، ومن التوسُّع في افتتاح مراكز الثقافة التوحيدية برعايتِنا في أكثرَ من بلدة لتكون منطَلَقاً لأبنائنا وبناتِنا للتعرُّف على هويَّتِهم التوحيدية والإسلامية.
وكذلك في مجال الشؤون الثقافية، وإن كان هذا المجال محدوداً لكونه ليس من الأولويات في مثل هذه الظروف، إلَّا أن اللجنة الثقافية نجحت في إقامة بعض النشاطات المميَّزة وخطّطت لبعضِها الآخر على أمل المتابعة من قبل المجلس القادم.
وكذلك في المجال الاغترابي، الذي يحتاج إلى خطة عملٍ واسعة ومركَّزة نظراً لاتّساع دائرته، وقد أنجزت اللجنة هذه السنة بهمّة رئيسِها والأعضاء إقامة حفلٍ تكريميٍّ لائقٍ لنخبة من أبناء الطائفة المغتربين الخيِّرين ليكونوا قدوة لسواهم في مهمة دعم مؤسسات الطائفة والمساهمة في احتضان عائلاتها.
وإذا كانت اللجنة الإدارية قد حُكم عليها بسفر رئيسِها قسراً لفترةٍ تزيد على السنتين، إلَّا أنَّها تابعت دراستَها لحاجيات الإدارة والتي كانت تصطدم دائماً بتوقُّف الدولة عن التوظيف والتعاقد، واستكملت نشاطَها في بعض المشاريع الحيوية، كمشروع “روّاد الجبل” التدريبي على بعض المهن والصناعات البسيطة، والتي أسفر عن إقامة معرض بيروت للمنتوجات القروية في قصر الأونيسكو بالتعاون مع اللجنة الاجتماعية، الذي رعيناه ووزيري الثقاقة والاقتصاد على أمل أن يكون محطةً سنوية لأهلِنا في الجبل ووادي التيم لإبراز طاقاتِهم وتصريف منتجاتِهم، وهو ما يتطلّبُ تشكيل لجنة مختصّة به.
وكذلك في مجال الشؤون المالية، التي هي موضوع جلستِنا اليوم، وقد حظيت باهتمامٍ ومتابعة دقيقة يُشهَدُ لها من قبل رئيسِها وأعضائها، من الإشراف على الموازنات السنوية ومواكبتِها وإدارة السيولة وتدارك المخاطر والصرف وفق الملاءات المالية المتوفِّرة، وذلك في أجواءٍ التخبُّط المالي في أسعار الصرف المتقلبة خلال السنوات الأخيرة، وإنني لشاهدٌ على الجهود المبذولة من قبل اللجنة القانونية المنكبّة على معالجة العديد من القضايا ومتابعة ما يتعلَّق بأمور الأوقاف والاستشارات القانونية على اختلافها، وكذلك على جهود أمانة السرِّ وتنظيمها المتقَن للعمل والملفَّات وضبط إيقاع العمل الإداري، وعلى جهود أمانة الصندوق وما تميَّز به أمينُه المخلصُ من دقَّةٍ كانت موضعَ تقدير مكاتب التدقيق الخارجية.
صحيحٌ أن الظروف المحيطة بعملنا صعبة ومعقّدة، أكانت تلك المتعلقة بالدولة والموازنات غير الكافية لتسيير عملنا وتمكيننا من تطويره، أو لجهة عدم ملء الشواغر الوظيفية الرسمية وعددها يزيد عن العشرين موظفاً في ملاكَي مشيخة العقل والمديرية العامة للمجلس المذهبي، أم لجهة الإمكانيات الذاتية لدينا لتغطية موازناتنا الخاصة من مال الأوقاف أو من التبرعات، وهي محدودةٌ جدّاً، في ظل تعثُّر إقامة صندوق خيري إنمائي يجمع نخباً مقتدرة من أبناء الطائفة، أم لجهة واقع البلد المتأرجح الذي يُعيق الإقدام على إنشاء المؤسسات وتفعيل أدوارها، وهو ما اختمرت فكرته ونسعى إلى تحقيقه، أكان عبر إنشاء مؤسسة استثمارية للأوقاف أو مؤسسة رعائية لحماية الأسرة أو مؤسسة ثقافية لتعزيز الثقافة التوحيدية وصَون التراث، أم غيرها مما نطمح ونسعى إليه.
وبما أنَّ الحكمَ تداوُلٌ واستمرار، ومع التحضيرات لانتخاب مجلسٍ مذهبيٍّ جديد وبروز وجوهٍ جديدة، ومع الشكر للذين عملوا وأسَّسوا وضحَّوا في المجلس الحالي، فإن الأملَ يتعزَّزُ لدينا باستكمال ما بدأناه وبتحقيق ما لم نتمكن من تحقيقه، متمنين على الأعضاء غير العائدين أن يكونوا سنداً لمجلسِنا الجديد وعوناً لنا في مهماتِنا، فكلُّنا عائلةٌ واحدة؛ همُّنا واحد وهدفُنا واحد وكرامتُنا واحدةٌ لا تتجزَّأ.
ومعكم وليد بك، تيمور بك، معالي الوزير، سعادة النواب، صاحب السماحة، أصحاب الفضيلة، حضرة الأخوة والأخوات، معكم نتطلّع إلى مجلسٍ مذهبيٍّ قادم بعد أقل من ثلاثة أسابيع نأمل أن يضمّ نخبة جديدة ومتجدّدة من أصحاب الكفاءات والاخلاص والاندفاع، وإنني على ثقة أن كثيرين مِمَّن سيُغادرون وسيفسحون المجال لسواهم من الأعضاء الجُدد تليق بهم العضوية وتغتني بهم استمرارية التجربة، ولكن المسؤولية العامة مُداورة وتداول السلطة أمر طبيعي وليس حكراً على أحد وإن نجح في عمله، ومن يرغب في الاستزادة أو من نرغب له فيها فَلَه مِنّا الدعاء بالتوفيق، ولنا منه تجديد العهد والعزم والعمل الدؤوب. المجتمع ينتظرنا دائماً لتقديم ما هو أفضل، ونحن مصمّمون على ذلك، وعلى استعداد لبذل الجهد والسعي لرفع شأن المجلس ونهضة المؤسسة، بالتعاون مع القيادة السياسية ومع فاعليات المجتمع، في مواجهة التحديات والظروف الصعبة، على أكثر من مستوى، لتثبيت هويتنا الروحية والوطنية والثقافية ولتمتين ترابطنا معاً، مقيمين ومغتربين، ولتفعيل حضورنا الوطني وشراكتِنا مع الجميع بمحبةٍ وكفاءةٍ وانفتاح، ولتأكيد دورنا ورسالتِنا التي توارثناها أباً عن جَدّ، والتي لن نحيد عنها.
أضاف سماحة الشيخ: نجتمع اليوم وسط تطورات ومنعطفات كبيرة تشهدها المنطقة، جرّاء استمرار العدوان على فلسطين وجنوب لبنان، وفي ظل طغيان المناخات الحربية على ما عداها من ضرورات ملحّة تقتضي احتواء الموقف، وتدارك الأسوأ عبر نزع فتيل الحرب، التي سبق وجرى التنبيه مراراً من خطورة توسيعها. وفي هذا السياق فان طريق فلسطين بالنسبة لنا، لم تكن الا معمّدة بالنضالات الوطنية وبالدماء الزكية واولها للشهيد كمال جنبلاط الذي رسم معالم تلك الطريق والتي نؤكد الاستمرار عليها كما قال الأستاذ وليد بك جنبلاط بالامس. ومن هنا وجهنا التحية لاخواننا أبناء الطائفة المعروفية الكريمة في الجليل والجولان ومجدل شمس مؤكدين على الأصالة العروبية وعلى التمسك بذات النهج والثوابت”. وتابع: “بالمناسبة أيضا، فإننا نتوجه الى أبنائنا هنا في الجبل وباقي المناطق، للتأكيد مجددا على تلك القيم المعروفية الاصيلة، في احتضان أبناء الجنوب والضاحية بمقتضى الحرب والظروف القاسية التي فرضت عليهم التخلي عن منازلهم… نستقبلهم كضيوف ونفتح لهم منازلنا وقلوبنا، وفي هذا الإطار أيضا فاننا نحيي كل الجهود التي تعمل لتحقيق التكافل الاجتماعي والإنساني، وعلى الأخص التوجيهات التي أوصى بها الأستاذ تيمور بك جنبلاط أخيرا”. وختم: “اننا نتطلع واياكم بأمل كبير الى وقف نهائي لإطلاق النار وللحرب، ونبتهل لله سبحانه وتعالى ان يلهم من هم في مواقع القرار للتطلع نحو تحقيق السلام المنشود الغاية الإنسانية المطلقة، بعيدا من حمّى نيران الحروب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
ثم جرى عرض لقضايا متعلقة بعمل اللجان على مختلف المستويات.