بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربّ العالَمِين، والصَّلاةُ والسَّلام على خاتم النبيين محمد سيِّدِ الـمُرسَلِين، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين.
إنَّهُ صباحٌ مُبارَك، صباحُ الأضحى الـموسومُ بدلالةِ الطَّاعةِ والتّسليم لمشيئةِ الله عزَّ وجلَّ، الـمُعبَّرُ عنهُ بالقُربانِ (وهو النَّحر) الَّذي يَتقرَّبُ به العبدُ إلى خالقِه لإيمانِه به وتوحيدِه له على أنَّه الحقُّ والعدْلُ وغايةُ الهُـدَى. ولا يجوزُ أن يكونَ فعلُ التقرُّب المشهودِ هذا إلَّا ثمرة النيَّة الصَّادقة الطيِّبة. قال تعالى في كتابه الكريم ﴿وَاتْلُ عليهِمْ نبَـأَ ابْنَيْ آدَمَ بالحَقِّ إذْ قرَّبا قرباناً فتُـقُـبِّلَ مِن أحدِهِما ولمْ يُـتَـقَـبَّلْ مِنَ الآخَرِ قالَ لَاَقْتُـلَـنَّـكَ قالَ إنَّما يتقبَّلُ اللهُ مِنَ الـمُتَّقِين﴾ (المائدة 27)، وهذا يجبُ أن يكونَ من البداهةِ في وعْيِ الدِّين وفقاً لما شاءهُ الله عزَّ وجلَّ بحكمتِه، وهو وجوبُ التحلِّي بلباسِ التَّقوى إن كنتُم تعلمُون، وإن كنتُم من أهلِ الإخلاصِ والوفاءِ والصِّدْقِ والإيمانِ الذي ﴿لَّا يأْتِيهِ الباطِلُ مِن بيْنَ يدَيْه ولَا مِن خَلفِه تَنزيلٌ من حكيمٍ حَميد﴾ (فصّلت 42).
إنَّ ما يريدُه اللهُ جلَّ جلالُه من عِبادِه الـمُخلصِين هوَ التَّقوى، ﴿لَن ينالَ اللهَ لـحُومُها وَلا دِماؤُها ولكِن ينالُه التَّـقوى منكُم ﴾ (الحجّ 37). والعِيدُ معقودٌ منذُ آلاف السّنين على هذا المعنَى، والأوْلى بعِبادِه الصَّالِحِين أن يكونَ وقوفُهُم في مقامِ الأضحى الـمُبارَك وقُوفاً شُجاعاً للنَّفسِ أمام مرآةِ كلام الله ودلالاته المحمولةِ ﴿بِلِسانٍ عربيٍّ مُبِين﴾ (الشعراء 195). وإنِ انْعدمت التقوى فسُد الخُـلُق، وبفسادِه ينكَبُّ الإنسانُ على ما ينزَعُ إليه بإملاءاتِ هوى النَّفس الأمَّارةِ، وهذا بدايةُ انحطاط لا يلبثُ أن يصيبَ العائلةَ والمجتمعَ والبلدَ والأمَّةَ. فتسقط المروءةُ وتتسلَّطُ النزغاتُ الفرديَّة والعصبيَّةُ الجاهليَّة على كلِّ المفاهيمِ السامية التي بها يكونُ الإنسانُ إنساناً عاقلًا حكيماً لائقاً على قدْر الـمُستطاع بنعمِ الله الكريمِ الحكيم. لذلك قيل: “وإنَّما الأمَمُ الأخلاقُ ما بقيَت”.
وإذا مسَّتْ القلوب معاني العيد وغاياتُ الدِّينِ الحنيف من هذا القصْد، تراها متدرِّعة بالفضائل والمسالكِ الحميدةِ والأخلاقِ العالية سبيلاً إلى رضى الله مُثمرَة وموفَّقة ومتوَّجَة بالصَّلاحِ والفلاح. هذا أمرٌ يُصيبُ المجتمعَ والأمَّةَ حيث أنَّ صلاحَ النُّفوس هو المقدِّمة الضروريَّة لصلاحِ الحال، وكلَّما تربَّع المرءُ فوق سُدَّةِ المسؤوليَّة، في الشأن العام خصوصاً، كان مُطالَباً بالإصلاح في ذمَّتِه وبضمِيره أمام الذات وأمام الناس، والأخطر من كلّ هذا أمام الله الحكيم العادل.
وان كان من رسالةٍ في هذه المناسبة لابناء بلدنا الحبيب لبنان فإننا ندعو تكراراً إلى التمسُّك بقوَّةٍ بكلِّ التوازنات التي أعطَت لبلدنا صورة بلدٍ في الحقَب الماضية. التمسُّكُ بقوَّةٍ بمبادئ الحوار والتسوية العادلة والرُّوح الميثاقيَّة الصادقة، والمصالحة الوطنية، التمسُّكُ بقوَّةٍ بكلِّ ما من شأنه تمتين أسُس العيْش المشترَك، بل “العيْش معاً” كلبنانيّين سبق أن ذاقوا مرارةَ الحروب والتطاحُن العبثيّ القاتل. التمسُّكُ بوحدةِ الجيْش وطنياً. وان ندين ونرفض كلّ اصوات التحريض واثارة الغرائز والفتن. وما من عهدٍ ينجحُ في لبنان ما لم تكن هذه في صُلب رؤياه وقراراته. ونحنُ نريدُ صادِقين لهذا العهدِ أن يحقِّقَ ما يتوخَّاهُ اللبنانيُّون ويحلمُون به. ولا يُمكِنُ أن نسلِّمَ بأسلُوبِ المناكفة لإدارة حُكم أيّ بلاد، وهو عينُه أسلُوب المضيّ قدُماً إلى جُرفِ الهاوية من دون استشعار الضَّرورة التي تُمليها المصلحةُ الوطنيَّةُ العُليا. إنَّه من الـمُستهجَنِ أشدّ الاستهجان أن تفشلَ القوى السياسيَّة، التي رسمَت خارطتَها نتائجُ الانتخابات الأخيرة، في تشكيل حُكُومةٍ في هذه الظُّروف البالغة الخطورة سياسيّاً وأمنيّاً واقتصاديّاً وإقليميّاً. ومن المؤسف ان نرى في بلد الرسالة ثقافة تبعد عن ادب المخاطبة.
إنَّ عالَمَنا اليوم، بصِيغةِ التباس المفاهيم فيما كان يُسمَّى “النظام الدوليّ”، يسيرُ في الطُّرُق المعكوسة لكلِّ القيَم الإنسانيَّة المتعلِّقة بحقوق الإنسان ومصائر الشُّعوب في الدُّول النامية. ونحنُ لا يُمكِن أن نسلِّم بواقعيَّةٍ تستهرُ بأرواح الأبرياء ودمائهم. ولا يُمكِنُ أن نسلِّمَ بالجريمةِ ذريعةً لتحقيق المصالح.
ومع الاضحى نرفع الصلاة من اجل حرية مخطوفات بلدة شبكي في سوريا، آملين سماع مواقف حازمة من المرجعيات الكبرى تجبر خاطفي النساء على التعقّل واحترام القيم الاسلامية والانسانية.
ايّها الموحدون
إننا نعيش في هذه المرحلة الدقيقة بالذات تحديات تكاد تكون هي الأصعب في تاريخ وحاضر أبناء دوحة التوحيد؛ ولكن جذور الموحدين الدروز عميقة في هذا الشرق وستبقى بعونه تعالى. لقد صقل الموحدون قلوبهم بمعاني الكتاب، ونفوسهم بالاعمال الطيبات ، وسيوفهم دفاعاً عن الامة وعزتها ولم يقبلوا يوماً الخروج عن شهامة المعروفيين.
نداؤنا الى الجميع التنبّه والحذر لمواجهة الدخول في اتون التفتّت والتقاتل والعصبية والتفرقة التي يسعى اليها المغرضون. وان نكون في موقع الحرص كل الحرص على التكاتف والتعاضد وجمع الشمل.
الأضحى المبارَك، في جوهر معناه، هو أن تبذلَ من نفسكَ ما يُرضي الله. وما يرضيه هو الخيْر في الناس، والعدلُ في الرَّعيَّة، وتوخّي الحق في كلِّ الأمُور. هذه رسالتُنا اليوم وفي كلّ يوم إلى مجتمعِنا وإلى بلدِنا وإلى أمّتِنا وإلى عالـمِنا مهما عصفت به حجُب الظلام. سائلين الله تعالى أن يحيطَ أهلَنا في جبل العرب، وفي كلّ سوريا، وفي فلسطين، وأمّتنا الإسلاميَّة جميعاً، بصونِه وحِفظه وعينِ رعايتِه، إنَّه هو نصيرُ المظلومين، ومُعين المؤمنين، لا إله غيره ولا معبود سواه.
وكل عام وانتم بخير.