نبّه سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى إلى خطورة استقواءِ أيِّ مجموعةٍ وطنيةٍ على أُخرى، مهما كانت الدوافعُ والمبرِّرات، انطلاقاً من وحدةٍ داخليةٍ مُحصَّنةٍ بجيشٍ قويٍّ وإرادةٍ شعبيَّةٍ متماسِكة تشكِّلُ جميعُها قوَّةَ ردعٍ لمَن يحاولُ استباحةَ الكَيان، ولا تُغرِقُ الوطنَ في مغامراتٍ غيرِ محسوبة ومنازعاتٍ داخليةٍ وأزماتٍ لا طاقةَ له على تَحمُّلِها، مطالبْا باحترام الدُّستور والإسراعِ في عمليات الانتخاب والتعيين وفقَ الأصولِ الدُستورية، وبأكبرِ قَدرٍ مُمكنٍ من التفاهمِ والاتفاق، صوناً للدولةِ من التفكُّكِ القاتلِ، وحمايةً للمؤسَّساتِ من الشلل، آملا بتطبيق اتّفاق الطائف بأكمله، وتأسيس مجلسِ الشيوخ ليتولّى مهماته دُستوريّاً.
مواقف سماحة شيخ العقل جاءت في كلمته خلال الافطار الجامع الرسمي والروحي الجامع، الذي أقيم في دار طائفة الموحدين الدروز في بيروت، بدعوة من مشيخة العقل والمجلس المذهبي غروب أمس الاربعاء، بمشاركة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه ممثلاً بالنائب محمد خواجة، والرؤساء العماد ميشال سليمان، الشيخ أمين الجميل، تمام سلام، فؤاد السنيورة، والاستاذ وليد جنبلاط.
كما شارك مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديموقراطي النائب تيمور جنبلاط، وممثلين عن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي المطران بولس عبد الساتر، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى المفتي حسن عبدالله، بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك يوسف عبسي المطران ايلي بشارة الحداد، بطريرك الروم الأرثوذوكس يوحنا العاشر المطران الياس كفوري. وشارك رئيس المجلس الاسلامي العلوي الشيخ علي محمود قدور، رئيس المجمع الأعلى للطائفة الانجيلية في سوريا ولبنان القس جوزف قصاب، رئيس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في لبنان وسوريا الأب اندراوس الأنطوني، السفير البابوي المونسونيور باولو بورجيا، اضافة إلى ممثلي بطريرك الأرمن الكاثوليك الكاثوليكوس رافائيل بدروس الحادي والعشرين ميناسيان المونسنيور ناريك نعمو، بطريرك السريان الأرثوذكس مار إغناطيوس افرام الثاني المتروبوليت مار اقليمس دانيال كوريه، بطريرك الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا الكاثوليكوس آرام الأول كيشيشيان الأب سركيس ابراهيميان، ورئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي، المونسنيور رافائيل طرابلسي.
ومثّل قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيس الأركان اللواء حسان عودة، ورئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري المستشار علي جناني، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع النائب غسان حاصباني، ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الأمير طلال أرسلان الوزير عصام شرف الدين، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية الوزير يوسف سعادة، ورئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل سهيل حمدان، ورئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب د. هشام الأعور، رئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب كميل شمعون فادي معلوف. كما شارك وزراء الداخلية بسام مولوي، المالية يوسف خليل، الاقتصاد والتجارة أمين سلام، الاعلام زياد مكاري، التربية القاضي عباس الحلبي وممثل عن وزير الثقافة القاضي وسام المرتضى. والنواب: فريد البستاني، اللواء أشرف ريفي، فؤاد مخزومي، أحمد الخير، غسان السكاف، أكرم شهيب، بلال عبدالله، نزيه متى، مارك ضو، هادي أبو الحسن، راجي السعد، فيصل الصايغ، وائل أبو فاعور، فراس حمدان، الياس جرادي، ميشال معوض ممثلا بالمحامي رومانوس.
كما شارك عدد من السفراء في لبنان: قطر الشيخ سعود بن عبد الرحمن بن فيصل ثاني آل ثاني، فلسطين اشرف دبور، سلطنة عمان احمد بن محمد السعيدي، المغرب امحمد كرين، المملكة العربية السعودية ممثلاً بالاستاذ راجح العتيبي، الجمهورية الاسلامية الايرانية ممثلا بالسيد توفيق صمدي، الكويت ممثلاً بنائبه السيد عبدالله سليمان الشاهين، تونس ممثلاً بالوزير المفوض مصطفى عساكري، الجزائر ممثلاً بالوزير المفوض محمد بن شيخ، تركيا علي بارش اولوسوي ممثلاً بنائبه، السفير هادي جابر الى عدد من القناصل والشخصيات الدبلوماسية.
وحضر الإفطار الوزراء والنواب السابقون: ناجي البستاني، ابراهيم شمس الدين، غازي العريضي، ايمن شقير، يوسف سلامة، محمد رحال وعادل حمية. الى جانب أمين السر العام في الحزب التقدمي ظافر ناصر، ومفوض الاعلام في الحزب صالح حديفة، النائب الثاني لحاكم مصرف لبنان بشير يقظان، رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر، وحضر قائد الشرطة القضائية العقيد زياد قائدبيه، وممثلين عن المدير العام لقوى الأمن الداخلي العميد موسى كرنيب، المدير العام لأمن الدولة العميد أريج قرضاب، المدير العام للأمن العام العميد نجم الأحمدية، مدير المخابرات العقيد طوني حنا. كما حضر مدير عام الجمارك ريمون خوري، مدير عام الدفاع المدني العميد ريمون خطار ومدير عام رئاسة مجلس الوزراء القاضي محمود مكية، مدير عام تعاونية موظفي الدولة د. يحيى خميس، مدير عام وزارة المهجرين المهندس احمد محمود، مفوض الحكومة لدى مجلس الانماء والاعمار زياد نصر، المفتش المالي العام وائل خداج، ممثل رئيس الجامعة اللبنانية عميد كلية الفنون د. هشام زين الدين. عضوا المجلس الدستوري القاضي رياض ابو غيدا ومجلس القصاء الاعلى القاضي عفيف الحكيم. وشارك ايضا العلامة السيد علي فضل الله، مفتي حاصبيا الشيخ حسن دلة، الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية الآباتي ادمون رزق، امين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط الدكتور ميشال عبس، رئيس اللجنة الاسقفية للحوار المسيحي الاسلامي المطران مار متياس شارل مراد، رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبده ابو كسم، رئيس كاريتاس لبنان الاب ميشال عبود، رؤساء المحاكم العليا السنية الشيخ محمد عساف والجعفرية الشيخ محمد كنعان والدرزية فيصل ناصر الدين، مدير عام دار الايتام الاسلامية بشار قوتلي، الى عدد من قضاة الشرع والمذهب الدرزي، رئيس مجلس أمناء بيت اليتيم الدرزي انور النكدي ورئيس جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية في بيروت ممثلا بالدكتور محمد السماك، ورئيس مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ نزيه رافع، رئيس مدارس الاشراق د. الشيخ وجدي الجردي، رئيس مجلس صندوق الزكاة في لبنان محمد الجوزو، ممثل مفتي البقاع الشيخ علي الغزاوي الشيخ بشار ابو شاهين والاستاذ صلاح سلام. رئيسا الأركان السابقين اللواء امين العرم واللواء شوقي المصري وقائد الشرطة القضائية السابق العميد أنور يحيى وعدد من العمداء في السلك العسكري والامني، د. وليد صافي، الأستاذ أنور ضو، مدير عام المؤسسة الصحية للطائفة الدرزية د. زهير العماد، رئيس رابطة العمل الاجتماعي رائد الريس، رئيس لجنة وقف دروز بيروت أكرم الزهيري، إضافة الى مجموعة من كبار رجال الأعمال المساهمين يتقدمهم السادة: الشيخ كميل سري الدين، جمال الجوهري، هايل سعيد، ماجد بو مطر، ريان أبي المنى، فيصل الخليل، وليد الرسامني، وليد فرحات، عادل مكارم، الشيخ خالد صافي، ياسر غرز الدين، الشيخ كميل بو غانم، وائل ضو وغسان فرحات والشخصيات والمشايخ ورجال الدين المسلمين والمسيحيين، رؤساء اللجان وأعضاء من المجلس المذهبي ومديريتي مشيخة العقل والمجلس المذهبي والمستشارين.
شيخ العقل
ومما جاء في كلمة سماحة شيخ العقل في الافطار:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيِّد المرسَلين وعلى آله وصَحبه الطيِّبين وعلى أنبياءِ الله الطاهرين أجمعين،
دولةَ رئيس مجلس الوزراء، ممثِّلَ دولةِ رئيس مجلس النوَّاب، سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية أخي الشيخ عبد اللطيف دريان، أصحابَ السماحة والغبطة رؤساءَ الطوائف الروحيين وممثليهم المحترمين، أصحابَ الفخامة والدولة والمعالي والسعادة الوزراءَ والنوَّابَ والسفراءَ والقادةَ والمدراء، أصحابَ الفضيلةِ والسيادةِ القضاةَ والشيوخَ والآباء، الأصدقاءُ الأعزَّاء، أصحابَ الأيادي البيضاء، أيُّها الضيوفُ الكرام،
يُسعدُنا، باسم مشيخة العقل والمجلس المذهبي لطائفة الموحِّدين الدروز، وباسم أصحاب الدار، أن نستضيفَكم في حضرة شهرِ رمضانَ المبارَك، قادةً روحيين ورسميين وقاماتٍ وطنيةً ونُخَباً اجتماعية، مُجتمعين بين فُصحٍ وفِطرٍ، على اختلاف مذاهبِنا وتنوُّعِ مظاهرِنا، إخوةً في الوطنية وفي الإنسانية، وإخوةً في القيم الأخلاقيةِ والثقافيةِ والتاريخية وفي العلاقاتِ الاجتماعيةِ والعملية، وإخوةً في الإيمان، لقوله تعالى: “إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة”.
هذه المناسبةُ الدينيةُ الاجتماعيةُ بامتياز، أردناها، وبالتنسيق معَ القائدِ المفضال وليد بك جنبلاط، لقاءً وطنيَّاً وروحيّاً جامعاً، على صورة هذه الدار وأهلِها، التي ما كانت يوماً، ولا كانوا، إلّا صلةَ الوصل لا الفصل، وعنوانَ الجَمع لا المَنع، دارَ المعروف وبني معروف، وصرحَ المحبةِ والرحمةِ والأخوَّة، التي لا تستقيمُ حياةٌ إلَّا بتلازمِها معاً ولا يقومُ بناءٌ وطنيٌّ واجتماعيٌّ إلّا بها، كثلاثيّةٍ مقدَّسة: المحبةِ المسيحية والرحمةِ الإسلامية والأخوَّةِ التوحيديةِ الإنسانية، وتلك هي ركائزُ الهرَمِ الأعلى وقواعدُ البناء الأمتنِ الأقوى.
أيُّها الإخوةُ والأحبّة،
نُرحِّبُ بكم أجملَ ترحيبٍ في ليلةٍ من ليالي هذا الشهرِ الفضيل، الذي قال عنه الرسول (ص): “شهرٌ هو عندَ الله أفضلُ الشّهور، عملُكم فيه مقبول، ودعاؤُكم فيه مُستجاب”، كيف لا؟ ونحن نعيشُ أجواءَ ليلة القَدرِ المبارَكة، والتي هي خيرٌ من ألفِ شهر، “سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ”، معاً نُصلِّي ومعاً ندعو، دُعاءً مُستجاباً بحَولِ الله وقوَّتِه، على أملِ أن نُطهِّرَ ذواتِنا من العناد، ودولتَنا من الفساد، ووطنَنا من الأعداء، وأن تُصانَ الأرواحُ والأرضُ والحقوق، وتُحفَظَ الكرامةُ ويَعُمَّ السلامُ في منطقتِنا العربيةِ المشرقية.
صحيحٌ، أيُّها الإخوة، أنَّ المشهدَ مأساويٌّ، ولونَ الحياة يكادُ يُصبحُ بلون الدماء والدمار، وقادةَ العدوِّ الغاشمِ إلى مزيدٍ من الجنون والإجرام، وكأنّ لغةَ العقلِ في إجازة، والزمانَ إلى نهاية، والعالَمَ إلى زوال، لكنَّ الحقيقةَ غيرُ ذلك، فالحقُّ موجود والأملُ معقودٌ على أهل العقلِ والحكمةِ وعلى دُعاةِ السلام في كلِّ مكانٍ وزمان، والمسؤوليةُ، وإن كانت مُلقاةً بالدرجة الأُولى على الدول الكُبرى صانعةِ القرار، إلَّا أنَّ كلَّ دولةٍ من دُولِنا مَعنيَّةٌ بصيانة شعبِها ومعالجةِ أوضاعِها وحمايةِ كَيانِها، وكلَّ أُمَّةٍ جديرةٌ بصَوغِ وحدتها وصَونِ ثقافتِها ووجودِها، ولا يجوزُ لأيٍّ منّا أن يتخلّى عن مسؤوليتِه، كبُرَ مقامُه أم صغُر، فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيّتِه، كما قال الرسولُ (ص).
فلْنعملْ معاً بمسؤولية، وبروح ركَّاب السفينة، وسفينتُنا الوطنيةُ واحدة، معاً نغرقُ إذا ما تصارعْنا وتفرّقنا، ومعاً ننجو اذا ما تعاونّا وتطلّعنا إلى الأمام، وإنْ كان القبطانُ مغيَّبٌاً منذ سنةٍ ونيِّف، فهذا أمرٌ غيرُ مُطَمئن، إلَّا أننا جميعاً معنيُّون بسلامةِ السفينة ومسؤولون عن ركَّابِها، أوَّلاً بأوَّل، تربيةً وثقافةً وعملاً منتِجاً وتشريعاً وانتخاباً وإدارةً وتنفيذاً، في مهماتٍ متنوِّعةً، لكنَّها متكاملة، تحتضنُ قضيَّةً واحدة، هي قضيّةُ لبنانَ الوطنِ الرسالة، وذلك هو مضمونُ الشراكةِ والرعاية، وتلك هي سُنَّةُ الحياة الوطنيّة، وهذا هو سبيلُ الخلاص.
أيُّها الأحبَّةُ، أيُّها الأعزّاء،
أَجدُها مناسبةً للتعبير عمَّا يجولُ في خواطرِنا، كقادةٍ روحيين، ولا أظنُّ أحداً منَّا يعارضُ أحداً، وإنْ كُنّا لم نُفلِحْ حتى الآنَ في عقد قِمَّةٍ روحيَّةٍ منتظَرةٍ بسبب تسارُعِ المستجِدّات، لكنَّها قائمةٌ باستمرارٍ في ما بينَنا، وما زِلنا نُشرِّعُ الأبوابَ لها ولأيِّ لقاءٍ جامعٍ يُترجِمُ حقيقةَ وحدتِنا الروحيةِ والاجتماعيةِ والوطنية ومضمونَ رسالتِنا الأخلاقيةِ والإنسانية، وقد آلينا على أنفسِنا في لقاءاتِنا الثنائيةِ التي عقدناها أن نعملَ معاً لتمتينِ روابطِ العيشِ الواحدِ في ما بينَ عائلاتِنا الروحية، ولتهيئة المُناخاتِ الإيجابية في البلاد وفتح الطريق أمامَ المسؤولينَ للتلاقي الفعَّال والتعاون الصادق من أجل إنقاذ الوطن والنهوض بالدولة.
إننا نَحمَدُ الخالقَ عزَّ وجَلّ على نعمةِ الإيمانِ التي تجمعُنا، وعلى المعاني العميقة التي تتضمّنُها حقيقةُ كونِنا أبناءَ هذا الوطنِ الحضاريِّ الجامعِ وهذا النموذجِ الأرقى للتنوّع في الوحدة، والذي له حقٌّ علينا بأن نفَهمَه بعمقٍ وأن نُحسِنَ إدارتَه والاستفادةَ منه، وأن نَرفضَ الأصواتَ المناديةَ بأيّةِ صيغةٍ من صيَغِ التقسيم والتشرذم المناطقي أو الطائفي، وأن نتحمّلَ مسؤوليةَ الحفاظِ على ميثاقِه وعلى رسالتِه الإنسانيةِ الراقية وعلى وجودِه.
لقد طالبْنا مراراً باحترام الدُّستور والإسراعِ في عمليات الانتخاب والتعيين وفقَ الأصولِ الدُستورية، وبأكبرِ قَدرٍ مُمكنٍ من التفاهمِ والاتفاق، صوناً للدولةِ من التفكُّكِ القاتلِ، وحمايةً للمؤسَّساتِ من الشلَلِ الكُلِّي، رافضين التسويفَ والانتظارَ ووضعَ الفيتواتِ الداخلية والاستسلامَ للتسوياتِ الآنيّة، التي وإن كانت جميلةً أحياناً، إلّا أنَّها غالباً ما تكونُ محكومةً لا تُنتج سوى حلولٍ ضعيفةٍ ومسؤولينَ محكومين، وقد بات التفكُّكُ الداخلي مدعاةً للتوغُّل الخارجي، وكأنَّ لبنانَ أضحى عدوَّ نفسِه؛ فالخارجُ، وإن كان مهتّمّاً بنا عبرَ لجنةٍ خماسية أو اتصالاتٍ فرديّة أو مبادراتٍ ثنائيةٍ أو ثلاثيّة، لكنْ لا يتوهمنَّ أحدٌ أنّنا في رأسِ قائمةِ اهتماماتِه لكي ننامَ على حرير الوعودِ والانتظارات والأوهام، وكأننا لسنا المعنيين بإنتاج الحلول وإنقاذ الوطن.
لقد طالبنا ونطالبُ المسؤولين، وكلٌّ من مكانِه وعلى قَدرِ مكانتِه، وبالرَّغم من الفراغ المؤلمِ في سُدّة الرئاسةِ الأُولى، طالبنا بضرورة الاهتمامِ بالوضع المعيشي والاجتماعي باعتباره أولوية، والمبادرَةِ إلى استنباطِ الحلول المُمكنة للتخفيفِ من مُعاناة اللبنانيين والحدِّ من هُجرة الأدمغة والطاقات، شاكرينَ المجلسَ والحكومةَ على بعض الإنجازاتِ الضرورية التي حالتْ دون تمكُّنِ اليأس منَ الشعب، وهذا هو الحدُّ الأدنى المطلوب، وربَّما هذا هو الحدُّ الأقصى المُمكنُ في ظلِّ هذه الحالةِ غيرِ الطبيعيةِ التي تعيشُها البلاد.
ولقد نبَّهنا، كما نبَّه سوانا، إلى جملةِ مخاطرَ وتحدّيات، لعلَّ النزوحَ السوريَّ في طليعتِها، بما يتبعُه من تفلُّتِ الحدود وعملياتِ التهريب، وهو ما يستدعي توحيدَ الرؤية حولَ كيفيةِ التعاطي معَ النازحينَ واللاجئين بما يَكفلُ سلامةَ لبنانَ أولاً من الانعكاسات السلبية، اقتصاديّاً واجتماعيّاً وأمنيّاً وسياسيَّاً، وما يَحفظُ كرامةَ النازحينَ واللاجئينَ وأمنَهم المُرتجى وعيشَهم المقبولَ من جهةٍ ثانية.
كما نبَّهنا، وما زلنا نُنبِّهُ إلى خطورة استقواءِ أيِّ مجموعةٍ وطنيةٍ على أُخرى مهما كانت الدوافعُ والمبرِّرات، فلبنانُ لا يُبنى إلَّا على قاعدةٍ أخلاقيّةٍ ذهبيّةٍ ثابتة، تقضي بأن تُحافظَ كلُّ عائلةٍ روحيةٍ على شريكتِها في الوطن، لا على نفسِها فحسب، وهذا ما يتطلَّبُ العملَ لتعزيز ثقافةِ المواطَنة كبديلٍ عن أيةِ ثقافةٍ فئويّة، بالإضافةِ الى تعزيز ثقافة الانتماء الوطنيّ وثقافةِ الدّفاع عن النفس والتصدّي لأيِّ اعتداءٍ على الوطن، انطلاقاً من وحدةٍ داخليةٍ مُحصَّنةٍ بجيشٍ قويٍّ وإرادةٍ شعبيَّةٍ متماسِكة تشكِّلُ جميعُها قوَّةَ ردعٍ لمَن يحاولُ استباحةَ الكَيان، ولا تُغرِقُ الوطنَ في مغامراتٍ غيرِ محسوبة ومنازعاتٍ داخليةٍ وأزماتٍ لا طاقةَ له على تَحمُّلِها.
ولقد أكّدنا، على صعيدٍ آخرَ، على ضرورة الاعتماد على النفس، وتحفيزِ اللبنانيين الميسورين والمغتربين ورجالِ الأعمالِ المقتدرين، للاستثمار في لبنانَ والمشاركة في رفعِ نسبة الإنتاج المحلّي والاكتفاءِ الذاتي، بالإضافة إلى أهميّةِ استثمارِ أراضي الأوقاف التابعةِ للطوائف بما يُحقِّقُ الغايةَ منها ويؤكِّدُ الواجبَ الدينيَّ تجاهَها، وبما يساعدُ في تأمين فُرَصِ العملِ للشبابِ اللبناني والمساهمة في عملية النهوض الاقتصادي.
كما دَعونا معاً إلى التصدّي لخطرٍ لا يقلُّ شأناً عن أيِّ خطرٍ سياسيٍّ أو أمنيٍّ أو اقتصادي، وهو خطرُ التفلُّتِ الأخلاقي وانتشارِ ثقافةِ هدمِ الأصول، وهو ما يتعارضُ معَ ثقافتِنا وتقاليدِنا الشريفة، فشدَّدْنا معَ إخوانِنا الرؤساءِ الروحيين على أهميّةِ احتضانِ المبادرات التربويةِ والثقافية والاجتماعية التي تهدفُ الى صونِ الأسرة والقيم، وهذا ما بدأناه معَ وزارةِ الثقافةِ مشكورةً، وما نُصِرُّ عليه معَ وزارة التربية ومؤسساتِ المجتمعِ الأهلي.
دولةَ الرئيس، أصحابَ السماحة والغبطة، أيُّها الكرام،
لقد اعتدْنا وإيَّاكم أن ندعوَ إلى اعتمادِ الحكمةِ والشُّورى في اتّخاذِ القرارات الوطنية، وفي التعاطي معَ القضايا المرتبطةِ بالنزاعات الإقليمية، بما يكفَلُ عدمَ فصلِ لبنانَ عن محيطِه العربيّ وعن قضايا الأمّة، وعدمَ انحيازه إلى محاورَ متنازِعةٍ تُعرّضُه لحروبٍ ومواجهاتٍ مدمِّرة، وقد رفعنا منذ البدايةِ شعارَنا القائلَ بـ”الحِيادِ عن كلِّ ما يُفرِّقُ والانحيازِ إلى كلِّ ما يَجمعُ”، على أملِ تطبيق اتّفاق الطائف بأكمله، وتأسيس مجلسِ الشيوخ الذي يتولّى هذه المهمّةَ دُستوريّاً، راجينَ أن يكونَ صمودُ الجنوبِ وألمُ الجنوبيين ودمُ الشهداءِ الميامين حافزاً لنا للتيقُّظِ والتفاهم وصيانةِ الدولة، وأن يكونَ وجَعُ الناس المعيشي دافعاً لنا لتبنّي المبادراتِ الواقعيّةِ والمعالجات الجَديّة.
أخيراً، وليس آخراً، فإننا نُكرِّرُ تضامنَنا معَ غزَّةَ المظلومة، وإدانتَنا للعدوانِ الإسرائيليِّ الهمجيّ على الشعب العربيِّ الفلسطيني واستباحةِ أرضِه واغتصابِ حقوقِه وانتهاكِ كرامتِه وممتلكاتِه ودماءِ أطفالِه ونسائه وشيوخِه، كما نَدينُ الاعتداءاتِ السافرةَ المتكرِّرةَ على جَنوب لبنانَ وعلى الشعب اللبنانيِّ وعلى قواتِ “اليونيفيل” مؤخَّراً، ونُحمِّلُ المسؤوليةَ للمجتمعِ الدولي وللدولِ صاحبةِ القرار بالعملِ لوقفِ هذه الاعتداءات والقفزِ فوقَ القراراتِ الأُمميةِ والمواثيقِ الدوليةِ المتعلقةِ بحقوق الإنسانِ والشعوب، مُطالبينَ بردعِ العُدوانِ وقَطعِ سُبُلِ دعمِه، وإيجادِ الحلول النهائيةِ العادلة للقضية الفلسطينية، لتكونَ للفلسطينين دولتُهم الموحَّدةُ والمستقلّةُ والكاملةُ السيادة.
إخواني، أيُّها الأفاضل،
تلك هي بعضُ أفكارٍ ومواقفُ واقعيةٌ نتلاقى جميعُنا على مضمونِها، إذ هي بمحلِّ ما كان يتوجَّبُ علينا إصدارُه في أيِّ لقاءٍ أو قِمَّةٍ روحيةٍ مُحتمَلة، وها قد تلاقى شهرُ الصَّومِ الإسلاميِّ والفطرُ السعيدُ بزمنِ الصومِ المسيحيِّ والفصحِ المجيد، وكأنَّ هذا التلاقي يحثُّنا على فطرٍ دستوريٍّ وقيامةٍ وطنية، أو كأنّه أشبهُ بقِمَّةٍ روحيةٍ اجتماعيةٍ ووطنية، كان لنا شرفُ استضافتِكم فيها اليومَ على مائدةِ الخيرِ والبركة، علَّنا نفتحُ من هنا؛ من دار الطائفةِ الجامعة، وبأيديكمُ المتشابكة، أبوابَ التفاهمِ والإنقاذِ والأملِ الذي ينتظرُه اللبنانيُّون، راجينَ منَ الله سبحانه وتعالى الرحمةَ والعَون، ومتمنين لكم أياماً سعيدة وأعياداً مجيدة.
كلُّ عامٍ وأنتم بخير، لكم منَّا كلُّ الشكرِ والتقدير، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه.