بحث ..

  • الموضوع

فصل في مناقب وأقوال عبد الله بن المُبارك رضي الله عنه

قيل له: ما دواء القلب؟ فقال: قلّة الملاقاة للنّاس. وقيل سيّب ابن المبارك دآبّة قيمتها كثيرة وصلّى صلاة الظّهر، فرتعت الدّابة في زرع قرية سلطانية فترك الدّابة ولم يركبها. وقيل إنّه رجع من مرو إلى الشام في قلم استعاره فلم يردّه على صاحبه. وقال: الزّهد هو الثقة بالله تعالى مع حبّ الفقر. وقال: الذّي يهيج الخوف حتى يسكن في القلب دوامُ المراقبة في السر والعلانية. وقال: التكبّر على الأغنياء والتواضع للفقراء من التّواضع، وذكرت الغيبة عنده فقال: لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والديّ لأنّهما أحقّ بحسناتي، وقال: من أخذ فلسًا من حرام فليس بمتوكل. وقال: سخاء النّفس عمّا في أيدي النّاس أفضل من سخاء النّفس بالبذل. وقال: إظهار الغنى في الفقر أحسن من الفقر. وقال: نحن إلى قليل من الأدب أحوج منّا إلى كثير من العلم. وقال: طلبنا الأدب حين فاتنا المؤدبون. وقال: الأدب للعارف كالتوبة للمستأنف أي المبتدئ. وقال: قد أكثر النّاس في الأدب، ونحن نقول هو معرفة النّفس. وقال: من أعطى شيئًا من المحبّة ولم يعط مثله من الخشية فهو مخدوع. وقيل له أجمل لنا حسن الخلق في كلمة. قال: ترك الغضب. وسئل من الناس قال: العلماء قيل فمن الملوك قال: الزّهاد. قيل فمن السفلة؟ قال: من يأكل بدينه. وقال: أفضل أوقاتك وقت تسلم فيه من هواجس نفسك، ووقت يسلم النّاس فيه من سوء ظنّك. وقال: المصيبة واحدة فإذا جزع صاحبها منها اثنتان، يعني إحداهما المصيبة بعينها، والثانية ذهاب أجر المصيبة، وهي أعظم من المصيبة. ويحكى عنه أنّه قدم على هارون الرّشيد فلّما دخل العسكر انكبّ عليه العسكر لزيارته، فوقع من الازدحام ضجّة كبيرة، حتّى تقطعت النّعاب وارتفعت الغيرة أي النخوة، فأشرفت أم ولد هارون من قصر الخشب، فلمّا رأت كثرة النّاس وازدحامهم قالت ما هذا؟ قالوا  لها: هذا عالم خراسان. وفقالت هذا والله هو الملك والعزّ، لا ملك هارون الّذي يجمع النّاس بالسّواط والعصّي. ومن نظمه رحمه الله تعالى:

                تعاهد لسـانك إنّ اللسـان                    سـريع إلى المرء في قتله

                فإنّ اللسـانً دليـل الفؤاد                      يدُلّ الرجـال على عقلــه

وله أيضًا:

                إذا ما الليل أظلم كابـدوه                      فيسـفر عنهم وهم ركـوع

                أطار الخوف نومهُمُ فقاموا                     وأهل الأمن في الدّنيا هُجوُع.

وسئل عن الرّجل الّذي يريد أن يكتسب وينوي باكتسابه أن يصل رحمه، وأن يجاهد وأن يعمل الخيرات، ويدخل في آفات الكسب لهذا الشأن. فقال: إن كان معه قوام من عيش بمقدار ما يكفي نفسه عن النّاس، فتركُه هذا أفضل لأنّه إذا طلب حلالاً وأنفق في حلال، سئل عنه وعن كسبه وعن إنفاقه وترك هذا زهد. فإنّ الزّهد في ترك الحلال. وقال: ما بقي في زماننا أحد أنّه يأخذ النّصيحة بانشراح قلب. وقال: بلغنا أن طعام الضّيف لا حساب عليه. قالوا وكانت سفرة ابن المُبارك تحمُل على عجلة أو عجلتين، وكان يُطعم أصحابه الفالوذج(1) والخبيص ويظل هو نهاره صائم. وقال بعضهم :رأيت بعيرين مملوءين دجاجًا مشويًّا لسفرة ابن المُبارك. وكان يقول: على العاقل أن لا يستخفّ بثلاث: بالعلماء والسلطان والإخوان. فإنّ من استخفّ بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخفّ بالسّلطان ذهب دنياه، ومن استخفّ بالإخوان ذهبت مروءته. وقال: ترك فِلسٍ من حرام أفضل من مائة ألف فلسٍ أتصدّق بها. وقال: إذا وُصِف لي رجل له علم الأوَّلِين والآخرين وليس له آداب النّفس لا أتأسّف على فوت لقائه، وإذا سمعت برجل له آداب النّفس أتمنى لقاءه، وأتأسّف على فوت لقائه. وقال: من بخل بعلمه ابتلى بإحدى ثلاث: إمّا أن يموت فيذهب علمه، أو يبتلى بسلطان جائر، أو ينسى العلم الّذي حفظه. ومرّ برجل واقف بين مقبرة ومزبلة. فقال: يا رجل، إنّ عندك كنزين من كنوز الدّنيا بينهما معتبر، كنز الأموال وكنز الرّجال. وقيل له: لو أنّ الله سبحانه وتعالى أوحى إليك أنّك ميت العشيّة ما كنت صانعًا اليوم. قال: أقوم أطلب فيه العِلم. وقيل له إلى كم تكتب؟ فقال: لعلّ الكلمة الّتي تنفعني لم أكتبها بعد. وكان يقول وآحزناه من غلبة الأمل وقلّة الزّاد وبعد الطريق وهول المطلع. وكان يقول: والله لقد شَغَلَتِ النّار من يعقل عن طلبِ الجنّة.

(1) الفالوذج: خلواء تعمل بالدقيق والماء والعسل.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

تصنيفات أخرى