بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد سيّد المرسلين، وآله وصحبه الطاهرين الطيبين وعلى كافة الانبياء والمرسلين.
بُوركت ثمرةُ العرفان، هذه المؤسَّسةُ التي نشأتْ في هذا السَّهل الجَبليّ الّذي يحفظُ التاريخ والذاكرة بفضل قادةٍ كبار ومشايخ اجلاء وبهمّة مقدام غيور كافح من دون توقف ما يناهز النصف قرن في سبيل بناء توطيد أسُس انطلاقها وبجهدٍ دؤوبٍ لتعزيزها وازدهارها وتطويرها حتى الرمق الأخير، وهي الآن بحمده تعالى وبما تمثله من قيمة لمجتمعنا ولوطننا وبرعاية دائمة من الزعيم وليد بك جنبلاط ستبقى مؤسَّسة رائدة، تحافظ على أمانتها ومسيرتِها ودوام تقدّمها نخبةٌ مميَّزة وأسرة كريمة (أسرة العرفان). مع دعائنا بالتوفيق للشيخ نزيه رافع.
إضافةً الى دورها التربوي دفع الراحل الشيخ علي زين الدين نحو علاقات وطيدة مع الكثير من المؤسَّسات التربويَّة والثقافيَّة في كافة أرجاء لبنان على قاعدة التلاقي والتعاون وتبادل الخبرات، وترجمة الشعارات المتعلّقة بِـحَـبْكِ النسيج الوطني، وإحكام روابطه على قاعدة الانتماء الوطنيّ، إلى الواقع العملي اليوميّ.
ونحن اليوم يهمُّنا النهج الذي به وحده نحافظ على بلدنا العزيز، المتن الأعظم من كتاب تاريخنا وهو الصفحات البيضاء التي تتضمَّنُ وحدة اللبنانيِّين، و”العيش معاً” تحت جناح “التضامن اللبناني بين كلّ الفئات”، وضدّ كل ما يهدِّد هذه الوحدة، هذا التضامن تجدُ تجليَّاته قبل زمن طويل ممَّا بات يُعرفُ مع الاستقلال “الرُّوح الميثاقيَّة”.
فلا تكونُ الميثاقيَّةُ أو مبدأ اللحمة الوطنيَّة أو “كنز المصالحة” موضوعاً أنيّاً في لعبة الصراعات والمناكفات السياسيَّة، بل هي ثوابت ترقى إلى مستوى احترام الرُّوح الدستورية بمعانيها الوطنيَّة والسياسيَّة والإنسانيَّة الرفيعة، وهو ما يحفظ لبناننا وسط كلّ العواصف.
إنَّنا ندعو بإخلاص وأمانة إلى التبصُّر بالعواقب والمآلات، ولسنا نرى نافذةً إلى خلاص لبنان اليوم إلَّا التمسُّك الشديد والمخلص بالثوابت الوطنيَّة، والمبادئ الدستوريَّة الميثاقيَّة، وروح المصالحة. ومصالحة الجبل التاريخية التي تكرّست بجهودكم وحكمتكم وصلابتكم ورعايتكم لطائفتنا المعروفية وليد بك مع البطريرك الراحل مار نصرالله صفير، وتمّ تثبيتها مع غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي”ادامه الله”، ونحن حريصون على هذه المصالحة ولن تؤثر عليها الخطابات الاستفزازية ولا التصريحات الطائفية ولن تزعزعها عوارض السياسة وتقلبات أمزجة المصالح فيها والمكاسب الدنيا. فأمانة “وحدة الأرض والإرادة” عهدٌ نلتزم به بلا هوادة. ونأمل ان يلتزم به الجميع.
الحضور الكريم
لقد مرّ الجبل خلال الأسابيع الماضية بمرحلة صعبة عقب حادثة البساتين الأليمة، والخسارة هي مشتركة لنا جميعاً، والتي تتطلب لتجاوزها نهج الحكمة والتبصر والالتزام بالمبادرات السياسية والقضائية والأمنية المبنية على أن القانون فوق الجميع، وأن الدولة ومؤسساتها هي المرجعية الوحيدة لكل اللبنانيين. وأنّ أمن الجبل واستقراره والعيش المشترك من ركائز الثوابت، وهو من الخطوط الحمر غير المسموح تجاوزها.
ونحن من موقعنا الروحي نشكر جهود جميع المرجعيات السياسية والأمنية التي تحركت فور وقوع الحادث لتطويق ذيوله ووأد الفتنة ووضع إطار للحل، ورجاؤنا وأملنا أن تسلك المصالحة ضمن البيت الواحد قبولاً للمساعي الحميدة. وببركة ودعاء المشايخ الاجلاء، والمرجعيات الروحية الكريمة، ستبقى راية التوحيد خفاقة مرفوعة باذنه تعالى، وقناعتنا العيش في هذا الوطن بكرامة الى جانب اخواننا في الطوائف والمذاهب.
الحضور الكريم
لبنان يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية خطيرة تهدد استقراره وعافيته. نداؤنا أيُّها اللبنانيون احفظوا وطنكم عبر ترسيخ مفاهيم المحبة والشراكة في نفوسكم، وتعالوا عن صغائر الأمور وتشبثوا بالكلمة الطيِّبة وبقواعد الصفح والتسامح، لبنان أمانة في أعناقكم وأعناق كلّ المخلصين حافظوا عليه.
نسأل الله تعالى أن يحميَ وطننا، وأن يمنّ بتعزيز المصالحة والتآلُف ووحدة الحال، ونسأله أن يهديَنا جميعاً إلى سواء السبيل، وأن يسدِّدَ حكَّام هذا البلد إلى ما فيه الخير والعدل واليُمْن لكلِّ أبنائه، إنه هو السميع المجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.