دعا سماحة شيخ العقل لطائفة الموّحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى “المسؤولين لإيجاد سبل التعافي الممكنة لما نراه من خطر حصول الانهيار التامّ وفشل الدولة، وليكن شعارنا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا: “الحياد عن كل ما يفرق والانحياز إلى كل ما يجمع”، معتبرا انه “ليس بالإمكان إنقاذُ الوطن إلَّا بالتفاهم والسير معاً في اتِّجاه هدفٍ مشترَك، لا بالأنانية والتصلُّب في المواقف أو بالتخوين والازدراء والتربُّص بعضُنا ببعض”.
كلام سماحة شيخ العقل جاء خلال استضافته في دار الطائفة-بيروت اليوم “اللقاء التشاوري المنبثق عن ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار وشبكة الأمان للسلم الأهلي” لإطلاق النداء الوطني تحت عنوان :”أولويات الرؤية الوطنية في مواجهة التحديات”، الذي حضّ أركان الدولة والقوى السياسية للجم التدهور الاقتصادي المخيف، والمواجهة الفاعلة للتحديات الوجودية والمصيرية الداخلية والخارجية وللولاءات المتضاربة التي تهدِّد اللبنانيين”، مناشدا “الرؤساء الروحيين المبادرة إلى عقد القمة الروحية المرتقبة بهدف التأكيد على المسؤولية الروحية والأخلاقية للمرجعيات الدينية وعلى رسالة الدين الإنسانية التي تدعو إلى حفظ كرامة الإنسان وصون المجتمع”.
وشارك في اللقاء الى جانب سماحة شيخ العقل ورئيس اللقاء التشاوري سماحة السيد علي فضل الله، ونخبة من الشخصيات الوزارية والنيابية والروحية والثقافية والأكاديمية والحوارية.
افتتح اللقاء بالنشيد الوطني استهلالا وقدم امين عام اللقاء الشيخ حسين شحاذة مبتدئا بكلمة شكر لمشيخة العقل على الاستضافة، قائلا “كم تواترت نداءات السلم الأهلي والأمن الاجتماعي والوطني على منابر شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز سماحة الدكتور سامي ابي المنى برؤية عميقة كانت وما تزال تدعو الى وجوب الانتقال بخطاب تنقية الذاكرة، من خطاب التسويات المرحلية الى خطاب يقارب المعالجة الجذرية لبناء وحدتنا الوطنية الجامعة والكاملة، فلا تهتز امام التحديات ولا يخلخلها الانقسام”.
شيخ العقل
ثم القى سماحة شيخ العقل الكلمة التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيدِ المرسلين وعلى آله وصحبه الطاهرين وعلى أنبياء الله الطيّبين..
قال تعالى في كتابه العزيز: “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا”. (سورة الطلاق، آ 2-3)
أيُّها الأخوةُ والأحبّة،
ننطلقُ من الآية الكريمة الداعية إلى الارتكاز على قاعدة التقوى والتوكُّل على الله، وإلى تغليب الأمل على اليأس، والعمل على الأمل، في زمنٍ طغى فيه الإحباطُ وتعاظمت التحديات، ويُسعدُني، في هذا المقامِ وفي إطار هذه الدعوة، الترحيبَ بكم في لقائنا الثقافيِّ الحواريِّ هذا انطلاقاً من الرؤية الدينية والوطنية والإنسانية المتقدِّمة التي رسمناها معاً للملتقى عند تأسيسه.
ويدفعُني الواجبُ الروحي والأخلاقي والوطني، من خلال موقعنا في مشيخة العقل، إلى التأكيد على دعم الملتقى لأخذ المبادرة بإعادة تفعيل دورِه، سعياً إلى تحقيق أهدافه وبعثِ روح الأمل في المجتمع، من خلال العمل على تعزيز الروابط بين أبناء الوطن الواحد على أساس القيم الوطنية والروحية والاجتماعية المشتركة، والارتقاءِ بها لتكونَ دُستورَ حياةٍ بينهم ومساحةً للتلاقي والشراكة الفاعلة.
أيُّها الأخوةُ الأفاضل،
هذه الدارُ دارُكم، هي الدارُ الموحِّدةُ الجامعة، ككلِّ المقامات الروحية، هي دارُ الأخوّة والمحبّة؛ الدارُ المتجذّرة في عروبة أبنائها وإسلامِهم ووطنيتهم، تفتحُ أبوابها للجميع بروح الانفتاح والشراكة والتلاقي، إذ لا حياةَ لها إلّا بجمع الشملِ ونبذ التفرقة وحمل رسالة التوحيد والإنسانية.
أهلاً بكم في داركم، تجسّدون بلقائكم التشاوريِ هذا، رسالةَ هذه الدار، وتمهّدون الطريقَ للقاءاتٍ متنوّعةٍ ومثمرة، وربّما لِقمة روحيةٍ مُرتجاة، في وطنٍ أصبح بأمسّ الحاجة إلى العناية الفائقة وتضافر الجهود روحياً وسياسياً وعلى مستوى النخب الثقافية والاجتماعية المحليةِ والاغترابية ورجال الأعمال، والمخلصين كافةً من أبنائه، وكم نحن بحاجة إلى كلمة طيّبة وفعلٍ طيّب، لا إلى فتح ملفّات ومزايداتٍ تؤجّج الخلافات وتصرفُ النظر عمّا هو أهمُّ وأولى.
كم نحن بحاجةٍ إلى رؤية وطنيةٍ معمَّقة وموحَّدة تنطلق من فلسفة وجود لبنان وروحية الدين وتجارب التاريخ الحلوة والمرّة، وقد أكّد الملتقى مراراً على أهمية الاستفادة من غنى التنوُّع الثقافي والديني، وأطلق المبادرة تلو المبادرة في هذا الاتِّجاه.
وكم نحن اليومَ بحاجةٍ إلى التأكيد معاً، على تنوُّع مقاماتِنا ومسؤولياتِنا، وفي مواجهة التحديات الداخلية والخارجية المتلاحقة، على الرسالة ذاتِها ذي المضمون الإنساني، من أجل صوغ رؤيةٍ وطنيةٍ واحدةٍ وموحِّدةٍ للبنانيين مهما كانت التبايناتُ والاختلافات في الرؤى والآراء، رؤيةٍ تغلّبُ مفهومَ المواطنة على مفهوم الطائفية، ولغةَ الحوار والتفهُّم والتفاهم على لغة التخوين والتكفير والاستقواء والتبعية والنكران.
إنَّنا، ومن هذا المنطلق، ومن توجُّهات مشيخة العقل الواضحة والثابتة، وتوجُّهات أصحاب الغبطة والسماحة الرؤساءِ الروحيين الأجلَّاء، ندعو إلى صَوغ تلك الرؤية الوطنية بالاستناد إلى أسسٍ إيمانية أخلاقية روحية متينة، نرسِّخُها في عقول أبنائنا وقلوبهم، لتكون سلاحاً لهم في مواجهة عواصف التحديات على اختلاف عناوينِها، ودرعاً منيعةً للتخفيف من مضاعفاتِها، وقوَّةً معنويةً قادرةً على تصويب مسار الإصلاح المُرتجى.
لقد أُثخن المجتمعُ بجراح التفرقة، وناء تحت ثقلِ الانقسامات والولاءات المتضاربة، وأُرهقَ بالمواجهات العبثيةِ المتلاحقة، ممَّا يحدونا إلى ضرورة التفكير معاً بكيفية التصدّي للتحديات الوجوديةِ والمصيريةِ التي تهدِّدُ لبنانَ واللبنانيين، والتأكيدِ معاً على رفض أن تكون العلاقةُ بالخارج قائمةً على تبعياتٍ وارتهانات، بل على احترامٍ متبادَلٍ ومودَّاتٍ مشروعة يتمُّ استثمارُها لحساب المصلحة اللبنانية العليا.
إنَّ الولاءَ الوطنيَّ يقضي بوجود رؤيةٍ وطنيةٍ موحَّدة، والرؤيةُ الموحَّدة تقضي بتمتين أواصر العلاقات الداخلية، والتضامنِ في مواجهة التحديات والعقبات التي تحول دون قيام الدولة الوطنية الجامعة، وتوجبُ على الجميع الحفاظَ على هيبة الدولة، وبالتالي احترامَ مواعيد الاستحقاقات الدستورية واحترامَ المؤسساتِ الوطنيةِ والمساعدةَ على النهوض بها، لا إضعافَها وتقويضها، كما تُوجبُ الحرصَ على احترام حقوق الآخر ومصالحِه بقدر الحرص على حقوق الذات ومصالحِها، وتعزيزَ ثقافة السلم الأهلي واعتمادَ الحوار الشفاف والصريح لمعالجة الاختلافات، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة الدفاع عن النفس والتصدّي لأي اعتداءٍ على الوطن.
أيُّها الأخوةُ والأحبَّة،
على تلك العناوين المطروحة تلاقينا ونتلاقى معاً، كرؤساءَ روحيين، مؤكِّدينَ على مسؤوليتنا الروحيةِ والأخلاقيةِ المنبثقة من رسالة الدين الإنسانية التي تدعو إلى حفظ كرامة الإنسان وصون المجتمع، وندعو معاً، وكلٌّ من موقعِه الوطنيِّ والثقافيّ والروحي، إلى الحوار البنَّاء والتعارف والتكامل، وإلى التعالي عن تفاصيل المسائل الشائكة والمعقَّدة داخلياً وخارجياً، والتلاقي على المبادئ الوطنية المشتركة، ونَحثُّ المسؤولين على إيجاد سُبُلِ التعافي الممكنة بدافعٍ من ضمائرهم أوّلاً، وهم يرَون، بدون أدنى شك، ما نرى من خطر حصول الانهيار التامّ وفشل الدولة، وليكُن شعارُنا في هذه المرحلة الحسَّاسة من تاريخِنا: “الحيادُ عن كلِّ ما يُفرِّق والانحيازُ إلى كلّ ما يجمع”.
وليكُن معلوماً عند الجميع أنه ليس بالإمكان إنقاذُ الوطن إلَّا بالتفاهم والسير معاً في اتِّجاه هدفٍ مشترَك، لا بالأنانية والتصلُّب في المواقف أو بالتخوين والازدراء والتربُّص بعضُنا ببعض، وعلى أركان الدولة والقوى السياسية كافةً التوجُّهُ الصادقُ في هذا المسار، فليس هناك أولويةٌ أكثرُ إلحاحاً من أولوية معالجة قضايا الناس الاجتماعية، والحدِّ من معاناة اللبنانيين، والتدبير العلمي والعملي المدروس للجم التدهور الاقتصاديِّ المُدمِّر، ومحاربة الفساد، ومحاولةِ تخفيف نسبة اليأس لدى الشباب، والحدّ من هجرتهم، ورفع نسبة الأمل لديهم بإمكانية خلاص الوطن.
وفّقنا الله وإيَّاكم، أيُّها الأخوةُ الكرام، للسير معاً وللعمل معاً من أجل تحقيق غاية الملتقى وغاية اللقاء، والتي هي غايةُ الدين وغايتُنا جميعاً، مسلمين ومسيحيين وأخوةً في الوطنية، شكراً لكم على تلبية الدعوة، أكرمتمونا بحضورِكم أكرمكم الله، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه.
فضل الله
وتحدث بعد ذلك رئيس اللقاء التشاوري السيد علي فضل الله قائلا: “في البداية لا بد من التوجه بالشكر الجزيل والتقدير لصاحب السماحة شيخ عقل الموحدين الدروز الدكتور سامي أبي المُنى على استضافته الكريمة لهذا اللقاء الكريم، وهو الذي ربطتني به علاقة أخوة وصداقة ومحبة وعمل مشترك يهدف إلى تعزيز أواصر الوحدة على كل الصعد لبناء هذا الوطن واستقراره، والتي لا يبنى ولا يستقر إلا بها. كما أتوجه بالشكر لكم أيها الحضور الكريم شركاء العمل للسلم الأهلي وللقاء الأديان والمذاهب وتعزيز الحوار في ما بينها على تلبيتكم لهذه الدعوة الكريمة، والتي نأمل أن تشكل نقطة ضوء في النفق المظلم الذي يمر به وطننا، ونداءً صارخاً نطلقه ليصل إلى كل إذن تسمع لينضم إلى كل الأصوات التي تسعى لإنقاذ هذا الوطن مما حل به من انهيار والذي يخشى من آثاره وتداعياته الكارثية.
أيُّها الأحبة:
إننا نمر في مرحلة عصيبة لم يمر بها هذا الوطن طوال تاريخه والتي باتت تُطاول مصيره وتهدد كيانه ما يتطلب من كل الواعين والمخلصين والحريصين عليه إلى الارتقاء إلى مستوى الأخطار التي يواجهها على الصعيد السياسي والاقتصادي أو الاجتماعي أو المعيشي والعمل بكل جدية ومسؤولية لمواجهتها، وهي مسؤولية نؤكد دائماً أنه لن تستطيع طائفة أو مذهب أو فريق سياسي أو موقع مهما علا شأنه وكبر موقعه أن يقوم بها وحده، بل لا بد من أن تتضافر كل الجهود والقدرات والإمكانات والطاقات لمعالجتها، ولن يكون أحد مهما حصن نفسه بمنأى عن تداعياتها.
فهذا البلد لا يبنى ولن يبنى بما يحصل في واقعنا من توزيع الاتهامات ونعوت التخوين وبإثارة الهواجس والمخاوف، أو بالرهان على تطور هنا أو حدث هناك يؤدي إلى تغيير موازين القوى فيها لمصلحتهم، أو بالاستقواء بالخارج على الداخل، وهو بالطبع لن يقوم بغلبة طائفة على أخرى أو مذهب على مذهب أو فريق على آخر، بل بالتشارك الحقيقي البناء لمعالجة أزماته وبالحوار البناء لإزالة أي هواجس قد يستشعرها هذا الفريق أو ذاك.
لقد جربنا أيُّها الأحبة الانقسام ودعوات التقسيم والإلغاء وسياسة الإقصاء والعزل ولم تنتج لنا إلا مزيداً من الدمار والفتن والمعارك الداخلية التي عانينا ولا نزال نعاني منها، ومن الطبيعي أن نعمل على أن لا نلدغ من حجر مرة أخرى.
أيُّها الأعزاء:
لن تقوم لهذا الوطن قائمة، إلا إذا انطلقنا من هذه الرؤية، وتوجهنا معاً لمعالجة ما يُجمع اللبنانيون على اعتباره قضيتهم الأولى، وهي تأمين لقمة العيش ورغيف الخبز وحبة الدواء وسرير المستشفى ووسيلة النقل وغير ذلك من الضرورات الأساسية، والعمل على تلبية هذه الحاجات ومنع التأثيرات السلبية لذلك على الوطن حتى أخذت إرادته تٌسلب وقراره يُصادر، لا سيما بعد هذا الإمعان المديد في سياسات الفساد والهدر وسوء الإدارة والجشع. إننا لا نزال نرى أن أبواب الأمل ستبقى مفتوحة إن قررنا أن نبدأ العمل بتوفير شروط الاستقرار، ولا استقرار إذا لم يتم الالتزام بآداب الخطاب السياسي، والكف عن أن يكون الدين الجامع أداة للشحن الطائفي غير المسؤول الذي يوتر الأجواء ويعمق الأزمة المعيشية، ويهدد الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، ويكرس حال الفراغ، ويمنح التغطية لكل أولئك الذين يتهربون من مسؤولياتهم في تشكيل حكومة قادرة على مواكبة هذه المرحلة الصعبة، وتأمين الظروف الكفيلة بإنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده، والذي يريده اللبنانيون أن يكون فرصة للتوافق ليكون مدخلاً لانفراجات وطنية وسياسية واجتماعية لا محطة لتجديد الانقسامات والنزاعات. وهذا الاستقرار لن يكتب له الاستمرار، إذا لم تتم مواجهة الفساد ومحاكمة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة، وممارسة القضاء لدوره الطبيعي وتحريره من ضغوط السياسيين وغير السياسيين، وضمان حقوق المودعين.
وختم: “إن وطننا ليس فقيراً، وانهياره لم يأتِ لقلة موارده، بل بسبب سياسات نحن مدعوون إلى إعادة النظر فيها وإصلاحها، لذا نعود ونؤكد أن الحل الجذري لأزمة هذا البلد يكمن في الإصلاحات التي تحول دون السطو مجدداً على ما يمكن أن نوفره من أموال وموارد والالتزام بها، وفي الإسراع بإنجاز الخطة الاقتصادية التي تولي النشاط الإنتاجي الأولوية، ونحن في الوقت نفسه نشدد على أن لا نغفل عن ضرورة بناء وطن قوي منيع بقواه الذاتية لا يستعيرها من أحد ليواجه كل من يهدد لبنان في وجوده وسيادته وحريته وأمنه وثرواته، وعلى رأس ذلك العدو الصهيوني الذي لا يزال يرى لبنان نقيضاً له بتنوعه وبحيوية شعبه وبمقدراته وإمكاناته وهو من يهدد اليوم ثروته الغازية والنفطية التي هي واحدة من صمامات نهوضه من واقعه الذي يعاني منه، حيث لا بد أن يكون الموقف موحداً في هذه المواجهة. أجدد شكري وتقديري وأملي الدائم باستمرار هذه اللقاءات لعلنا من خلالها نطلق فسحة أمل يحتاجها هذا الوطن الذي نخشى أن نفقده وأن يتحول كل لبناني إلى مهاجر أو مشروع مهاجر”.
زين
كما تحدث الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب المحامي عمر زين مشيرا الى ما “وصلت اليه الامور من فلتان على كل الأراضي اللبنانية وما يحدث من صراعات مشبوهة ومفتعلة ووقائع وأحداث تصب كلها في تأجيج الروح المذهبية والطائفية والعشائرية التي بدأت تحدث بذور شقاق وتطرف ونزاعات وكراهية وإساءات واستغلالاً للدين وطوائفه ومذاهبه في النزاعات السياسية، بحيث أمست تشكل تهديداً مباشراً للسلم الأهلي”.
ورأى ان المدخل للخروج من الوضع الراهن يبدأ بتشكيل حكومة كفاءات، وإصرار على إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده، والتأكيد على الحوار الوطني حول القضايا الخلافية وحماية دور لبنان لتأكيد دولة المواطنة والتنوع، والتمسك بحقوق لبنان في ثروته النفطية والغازية، وضبط سعر صرف الدولار الاميركي، وإصدار قانون استقلالية السلطة القضائية وإحقاق العدالة الكاملة في تحقيق تفجير مرفأ بيروت، والالتفاف حول القضاء والجيش اللبناني.
مناقشات
وجرت بعد ذلك نقاشات حول القضايا المطروحة، فنوّه وزير التربية والتعليم العالي القاضي عباس الحلبي بسماحة شيخ العقل من خلال مساره الحواري الطويل وترجمته باللقاء في دار طائفة الموحدين الدروز لتبقى أبوابها مفتوحة لكل اللبنانيين، رغم ان الاجتماع هو بعكس سير لبنان اليوم بات كله اتجاهات، نلتقي اليوم لاجل الوطن وحمايته والحفاظ عليه، كما ان البيان المرتقب يشكل أساسا صلبا للمستقبل والمطالبة لاحقا بعقد قمة روحية تجمع المرجعيات على كلمة سواء لمصلحة الوطن والخروج من ازمته المتفاقمة والمأزق الذي نعيش فيه جميعا، والمؤسف هو تأثير السياسة على رجال الدين بشكل عام”.
واعتبر النائب ملحم خلف ان “كلام القيم الروحية والأخلاقية تسقط امام واقع السياسة والمحاصصة باسم الدين، مما يستوجب من المرجعيات الروحية مسائلة المجتمع ورجال الدين عن القيم، ونخجل القول أحيانا كثيرة باننا عندما نرى المواطن يطلب الخبز من المنظومة التي همها تقاسم المناصب لنصبح الجميع من افشل الفاشلين”. مطالبا “الرؤساء الروحيين بمرجعية قيمية تحمي الوطن”.
وقدّم النائب السابق د. عصام نعمان ورقة عمل حملت خطة عملانية من الأولويات، من تأمين الضرورات الحياتية في الغذاء والدواء والكهرباء، وتثبيت حق لبنان في مياهه بتكريس الخط 29، والتوافق على حكومة ائتلاف وطني، وتحقيق جنائي للنهب العام”.
بدوره شدد المطران بولس مطر على “المحبة الضامنة والشاملة ليكون اللبنانيون جميعا امة واحدة في وطن واحد وشعب واحد ويبقى الحوار هو الطريق الأساسي للخلاص”.
ولاحظ الشيخ د. هشام خليفة ان “الولاء للطائفة بات قبل الولاء للوطن وكذلك للزعيم، وعوضا من ان يكون التنوع نعمة حوّلوه الى خلاف مع سيطرة الضمانات الخارجية والسرقات التي باتت مرض لبنان”.
وقال الاب نكتاريوس خير الله: “المشكلة باتت اكبر من حكومة وانتخابات وموارد طبيعية التي هي امر بديهي، بل بشعب بات اقصى طموحه هو اصغر حقوقه حيث القضايا المهينة التي يتعرض لها هي العناوين الأساسية لكل شيئ”.
ورأى الشيخ زياد الصاحب انه “لا يجب انفراد أي جهة او غلبة طائفة على أخرى باعتبار اللبنانيين سواسية، وانهاء حالة الفساد والمحاصصة التي تنخر المجتمع”.
البيان الختامي
وفي الختام أذاع النائب البطريركي لأبرشية بيروت للسريان الكاثوليك ورئيس اللحنة الأسقفية للحوار المسيحي الإسلامي المطران شارل مراد البيان الختامي وجاء فيه:
“بمباركة من سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز، وبحضور رئيس ملتقى الأديان والثقافات سماحة العلامة السيد علي فضل الله، وبدعوة من اللقاء التشاوري المنبثق من ملتقى الأديان. وشبكة الأمان للسلم الأهلي، استضافت دار طائفة الموحدين الدروز في لبنان اللقاء الموسَّع للشخصيات والفاعليات الروحية والأكاديمية والثقافية الحوارية، وفي ختام اللقاء صدر عن المجتمعين البيانُ الآتي:
1- يوجّه المجتمعون الشكر إلى سماحة شيخ العقل الدكتور سامي أبي المنى، لاستضافته هذا اللقاء الثقافي الحواري انطلاقاً من دوره التأسيسي للملتقى ومشاركته الدائمة في فاعليته وفي الفاعليات الحوارية المتعددة، ومن موقعه الروحي والوطني الجامع في مقام مشيخة العقل.
2- يشدّد اللقاء على ضرورة أن تقوم الروابط بين اللبنانيين على أساس القيم الوطنية والروحية والاجتماعية المشتركة، والارتقاء بها لتكون دستور حياةٍ بينهم ومساحةً للتلاقي والشراكة الفاعلة.
3- يؤكد اللقاء أهمية الاستفادة من غنى التنوُّع الثقافي والديني ذي المضمون الإنساني لصوغ رؤية وطنية واحدة توحِّد اللبنانيين وتجمعهم مهما كانت التباينات والاختلافات في الرؤى والآراء، على أن تقضي هذه الرؤية بتغليب مفهوم المواطنة على مفهوم الطائفية، ولغة الحوار والتفهُّم والتفاهم على لغة التخوين والتكفير والاستقواء والتبعية والجحود والنكران.
4- ومن هذا المنطلق، يدعو اللقاء إلى أن تستند الرؤية الوطنية الواحدة إلى أسسٍ إيمانية أخلاقية روحية ثابتة، علينا أن نحصّنها في عقول أبنائنا وقلوبهم، لتكون قواعدَ صلبة في مواجهة عواصف التحديات على اختلاف عناوينها، وقوَّةً معنويةً للتخفيف من مضاعفاتها ولتصويب مسار الإصلاح المُرتجى.
5- يركّز اللقاء على ضرورة المواجهة الفاعلة للتحديات الوجودية والمصيرية الداخلية والخارجية وللولاءات المتضاربة التي تهدِّد اللبنانيين، والتأكيد على أن لا تكون العلاقة بالخارج قائمة على تبعياتٍ وإرتهانات، بل على احترام متبادَلٍ ومودَّاتٍ يتم استثمارها لحساب المصلحة اللبنانية العليا، بينما الولاء الوطني يقضي بتمتين أواصر العلاقات الداخلية والتضامن في مواجهة التحديات والعقبات التي تحول دون قيام الدولة الوطنية الجامعة.
6- يؤمن اللقاء بأن الرؤية الوطنية الواحدة تحتِّم على الجميع الحفاظ على هيبة الدولة ودستورها، وبالتالي تُوجبُ على الجميع احترام مواعيد الاستحقاقات الدستورية واحترام مؤسسات الدولة والمساعدة على النهوض بها، لا إضعافها وتقويضها.
7- يؤكد اللقاء على الرؤية الوطنية الواحدة التي تفرض على مختلف الأفرقاء تعزيز ثقافة التصدّي لأي اعتداءٍ على الوطن، والحرص على احترام حقوق الآخر ومصالحه بقدر الحرص على حقوق الذات ومصالحها، وتعزيز ثقافة السلم الأهلي واعتماد الحوار الشفاف والصريح لمعالجة الاختلافات.
8- يناشد اللقاء الرؤساء الروحيين المبادرة إلى عقد القمة الروحية المرتقَبة بهدف التأكيد على المسؤولية الروحية والأخلاقية للمرجعيات الدينية وعلى رسالة الدين الإنسانية التي تدعو إلى حفظ كرامة الإنسان، وصون المجتمع، والتعارف والتشارك، والدعوة إلى التعالي عن تفاصيل المسائل الشائكة والمعقَّدة داخلياً وخارجياً، والتلاقي على المبادئ الوطنية المشتركة، وحثّ المسؤولين على إيجاد سُبُل التعافي الممكنة قبل حصول الانهيار التامّ وفوات الأوان.
9- يدعو اللقاء أركان الدولة والقوى السياسية كافةً إلى التجاوب مع هذا النداء والتوجُّه الصادق إلى معالجة القضايا العالقة بعيداً عن الأنانية والتصلُّب في المواقف، وذلك للحدّ من معاناة اللبنانيين، ومن أجل لجم التدهور الاقتصادي المخيف، ومحاولة تخفيف نسبة اليأس لدى الشباب، والحدّ من هجرتهم، ورفع نسبة الأمل لديهم بإمكانية نهضة الوطن من كبوته”.
لقاءات
وكان سبق اللقاء التشاوري الموّسع اجتماع في مكتب سماحة شيخ العقل ضم أعضاء من اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي: الوزير عباس الحلبي، محمد السمّاك، حارث شهاب، جان سلمانيان، كميل منسى ود. غازي قانصو، للبحث في قضايا ذات صلة وتتعلق بدور اللجنة وآفاق الحوار المستقبلية.
كذلك كان لقاء لسماحته مع النائب ملحم خلف، وكذلك مع رئيس “منتدى التنمية والثقافة والحوار” القس رياض جرجور.