بسم الله الرحمن الرحيم
االحمد لله ربِّ العالَمين، والصّلاة والسَّلام على محمد خاتم النبيين وسيِّد المرسَلين، وآلِه وأصحابه أجمعين، إلى يوم الدِّين.
ألفٌ وأربعمائة وثلاثة وأربعون عاماً مَضَوْا على دخول رسُول الله صلّى الله عليه وسلَّم إلى ما صار لِــتَـــوّهِ “دارَ الإسلام”. دخل بكلمةِ الله ولكلمة الله ناقضاً بذلك زمنَ الجاهليَّة. والدَّعوةُ كانت -وما زالت وستبقى إلى يوم الدِّين- كلمةَ التَّوحيد. والتَّوحيدُ هو التَّسليمُ لله الواحد الأحد، الَّذي أرسل رسولَه بالحقِّ: ﴿إنَّا أنزَلنَا إليكَ الكتابَ بالحَـقِّ لِتحكُمَ بينَ النَّاسِ بما أراكَ الله…﴾ (النساء: 105). وكانت المساواةُ بينَ النّاس، والعدلُ والمؤاخاةُ والأُلفةُ والأمرُ بالمعروفِ وهو كلّ محمودٍ في الارتقاء الإنسانيِّ، والنَّهي عن الـمُنكَر وهو كلُّ ما من شأنِه أن يحيدَ بفاعلِه عن مقاصِد الشَّرع إلى مقاصِد الهوى.
وليس بالـمُنكَر تُبنى المجتمعات المنيعة، فكم من حضارةٍ بشريَّةٍ قدَّمت للإنسانيَّة عصوراً زاهية، فلمّا انصرفت إلى منطق القوَّةِ والتسلُّط وظلم الرّعيَّة واستباحة كرامات الشّعوب وجحد روح العدالةِ، باتت ﴿كَالعِهْنِ المنفُوش﴾ فانقضَت أيَّامُها وسقطت وانهارت.
وما من حاجةٍ للتأكيدِ، بالنَّظر إلى الحالة اللبنانيَّة الحاضرة في يومنا هذا، بأنَّ التَّـنكُّر لمقوّمات وجود الوطن المكرَّسة بالدستور هو الدَّلالة على الاستهتار الكامِل بإرادة ما سُمِّي “بالعيْش المشترك”، وهذا يعني العبَث السياسيّ الكامل في غياب الحوار وروح المشاركة والرغبة بالتعاون والتصديق بالشراكة مع الآخَر اللبنانيّ، وهنا العِلَّة الكبرى التي هي العجزُ عن ضخّ الحياة الضروريَّة في مؤسسات الحُكم، وأكثر ما يتجلَّى هذا العجز في مسألة المراوحة القاتلة في الفشل الوخيم في تشكيل حكومة عبر شهور تنهار فيها قطاعات البلد الواحد بعد الآخَر وكأنَّ صراخ الشعب المنكوب يُدوّي في قـفرٍ قاحِل.
الأوَّلُ من محرَّم يوم مبارَك. يوم للتباصُر في معنى الإيمان، وهو إيمان نتشبَّث به في قلوبِنا بما يكتنزُه من قـيَم إنسانيَّة خالدة، وبما يحثّنا عليه من إدراكِ كنوز الفضائل التي بها يرقى الإنسانُ بمعناه وفق الإرادة الإلهيَّة، وبما يُحيـيه في السَّرائر من صوتِ الضَّمير واستشعار براءة الذِّمَّة من كلِّ خبيث. نسأل الله تعالى أن يعيدَه على أمَّتنا بكلِّ خير، وأن يُلهمنا سبُل الحقّ والصّدق والإيثار، إنه هو الكريم الحليم..