بمناسبة عيد الأضحى المبارك وجّه سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى رسالة عشية العيد إلى أبناء الطائفة المغتربين، جاء فيها:
أبناءَنا الموحّدين في الوطن وبلاد الاغتراب، كباراً وشباباً، أخوة وأخوات..
أيها الأحبّاءُ المعروفيُّون، الدروزُ اسماً ولقباً، والموحّدون حقيقةً ومضموناً..
أتوجّهُ إليكم بهذه الكلمة الوجدانية بمناسبة قرب حلول الأضحى المبارك سائلاً الله عزّ وجل أن يعيدَه عليكم جميعاً بالخير والبركة وراحة البال وصفاء القلب وثبات العقيدة، والتقدُّمِ المُطَّردِ في مراقي الحقّ والتحقّق، وفي سبُلِ جمع الشمل وحفظِ المجتمع.
نطقت الآيةُ الكريمة بالقول: “والفجرِ وليالٍ عشر”، قسماً من الله سبحانه وتعالى بتلك الليالي المباركة للدلالة على أهميتها وميزتها، وكأن كلَّ ليلةٍ من “عشور العيد” بمستوى ليلة القدر، بما تعنيه من محطةٍ للتوبة وفُسحةٍ للخير والترقّي على دروب السعيِ والجهادِ لبلوغِ فرحة العيد والسعادة.
إخواني أينما كنتم، في الوطن أم في بلاد الانتشار، أخاطبكم في هذه المناسبة الجليلة بما هي مناسبةٌ جامعة للموحِّدين عبر العالم، وبما لكم في القلب من محبة، وبما في المناسبة من معانٍ توحيديةٍ تدفعُ للتواصل والتلاقي.
فالأضحى هو العيدُ الكبيرُ، كما نُسمِّيه، وجديرٌ بنا في رحابه أن نتوقَّف أمامَ مرآة أنفسِنا لنتبصَّرَ بأمورِنا ونتطلَّعَ إلى ما هو أبعد، فنُحاولَ أن نُصلحَ ما أفسده الزمان، وأن نرتفعَ بوجودِنا الآني منخضمِّ عيشِنا وعملِنا وانغماسِنا في شؤون حياتِنا الدنيويةِ إلى حياةٍ روحيةٍ نورانيةٍ أبعدَ وأسمى، أي أن نتعدَّى ما هو زائلٌ إلى ما هو باقٍ، وأن نعملَ وفقَ القاعدة القائلة: “إعمَل لدنياك كأنك تعيشُ أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”.
إخواني وأخواتي الموحِّدينَ والموحدات، أنتم الأهلُ والأخوة والأحبّة، وإنا وإياكم لعائلةٌ معروفية واحدة، أكنَّا في لبنانَ أم في سوريا أم في الجليل والكرمل والجولان والأردن، أم كنَّا منتشرين في بلاد الله الواسعة، يَجمعُنا التوحيدُ والقِيَمُ المعروفيةُ والهويّةُ الوطنيةُالمشرقية، ونحن وإيّاكم رَكبٌ واحدٌ في رحلةٍ إنسانية واحدة، معاً نفرحُ ومعاً نحزنُ ومعاً ندافعُ عن الكرامةِ والوجودِ والهويّة وننتصر، ومعاً نَمدُّ أيدينا للمصافحة والمصالحة والمشاركة مع إخواننا في العيش الواحد والمصير المشترك.
ندائي لكم ونداءُ إخواني المشايخِ جميعاً أن تكونوا ثابتينَ في إيمانِكم وعلاقتِكم بالله، حافظينَ آيات الحكمة والحقِّ، متشبثين بمبادئ مسلك التوحيد الشريف ومناقب السلف الصالح من أجدادِكم، معتزِّينَ بتاريخِكم وتراثِكم، ساعين إلى رفع شأن طائفتِكم والمساهمة في نهضة مجتمعِكم وأوطانِكم، متعلِّقين دائماً بثوابتِ عيشِكم، محافظين على ثلاثية الوجودِ: الأرضِ والفرض والعِرض، أي الوطن والدين والشرف، بما يتطلّبُه ذلك من واجب التربية والتوجيه والتثقيف والتعاضد الاجتماعي والمشاركةِ الوطنيِّة الفاعلة والانفتاح على التطور العلمي والتقدُّم دون التخِّلي عن الهوية الروحية والذاتية، في توازنٍ دقيق نرجو ألَّا يُغفلَه أبناؤنا مهما بلغوا من انفتاحٍ وواجهوا من تحديات.
إخواني، وإن كنّا نَمرُّ في بلادِنا بمرحلةٍ صعبة من تاريخنا في ظل أزمةٍ اقتصادية ومعيشية خانقة، إلاّ أننا مُطمئنّون لتماسك مجتمعِنا التوحيدي، واثقون بكرم المقتدرين من أهلنا، متمسِّكون بواجب حفظ الأهل والإخوان، مُتّكلون على الله سبحانه وتعالى وعلى ما لدى أبنائنا وإخواننا في بلاد الاغتراب من أصالةٍ وغيرة واندفاع لمدِّ يد العون ورفد المؤسسات والصناديق الخيرية لدينا بالدعم المناسب زكاةً عن أموالهم وتضحيةً وإحساناً، فالعيدُ لا يكون عيداً إذا لم نزيِّنْه بالعطاء، والمغترِبُ عندنا ليس غريباً، إنّما الغريبُ هو من يتخلّى عن أهله وواجبه، والمُقيم ليس قريباً إلاّ بقدر ما يلتصق بالأرضِ والجذور والثوابت التوحيدية والاجتماعية، وبقدر ما يضحِّي ويقنعُ ويتعفّفُ عمّا ليس هو بحاجة إليه، بل يشاركُ إخوانه في احتضان المحتاجين من ذوي القربى والمساكين.
إخواني، إنّ التّصدّي للمشاكل التي يرزحُ تحتها مجتمعُنا لا يؤتي ثمارَه النافعةَ في واقع الفُرقة وتشتُّت الإرادات. وإذا كان الاختلاف في وُجُهات النّظر أمراً طبيعياً، لكنه لا يجبُ أن يؤثِّرَ سلبا على المجتمع، حيث أن المصالِحَ الأساسيّة يجب أن تكونَ بمنأى عن اختلاف الآراء والمواقف وعما يَعتَوِرُ ميدانَ السّياسةِ من تجاذبات، وبنظرِنا، فإن مصلحة المجتمع هي الهدفُ الأسمى من كلِّ المصالحِ الخاصَّة، وعلينا جميعاً السعيُ الدؤوبُ في سبيل نهضته وازدهاره وإزاحة وطأةِ الهموم عنه، فالنّاس في عَوَزٍ وضيقة وينتظرون منّا إنجازاتٍ تَرُدّ إليهم بعضًا من الأمل ومن الحقوق المهدورة في هذه البلاد.
إنّنا لا نرى سبيلاً قويمًا في هذا الاتّجاه إلاّ عبر التكاتف حول برامجَ تعاضدية منظَّمة، كمثل برنامج “سند” الذي أطلقناه في أول أيام العشر المباركة، والذي نأملُ من جميع أبنائنا المقيمين والمغتربين دعمَه بكلِّ ما أمكن، وعلى أوسعِ مدىً، وبأكبر اندفاعٍ وأعمقِ ثقة، وكذلك عبر الالتفافِ حول المؤسّسات الفاعلة في مجتمعنا لتدعيمها وتعزيز عملِها وفتحِ نوافذِ الحياة والعمل المنتِج أمام شبابنا لتحقيق ما يَحلُمون به ويتطلَّعون إليه.
رسالتي إليكم أيُّها الأحبَّة، أن تواجهوا المحنة بالمزيد من التضامن وجمع الشمل، في عائلاتكم وقراكم ومجتمعاتكم، وبالترفُّع عن الصغائر والعداوات، وبالمزيد من الإقبال على عمل الخير والإحسان، وأن تكونوا النموذج الصالح في حفظِ بعضكم بعضاً، وفي المشاركة في بناء الدولة واحترام القانون، وفي نبذِ الفتن وتأكيد الوحدة الوطنية والعمل في سبيل الخير العام.
دعاؤنا لله سبحانه وتعالى أن يمدَّكم بالعون في أعمالكم وفي سعيِكم الدائمِ لخلاصِ أنفسكم وعائلاتكم ومجتمعكم، ورجاؤنا أن نكونَ وإيّاكم من الفرحين بالعيد فرحاً حقيقياً يُوصل إلى السعادة الأبدية… حفِظكم الله ووفَقكم لما فيه الخيرُ والسلام، والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاتُه.
أضحى مبارك، وكلُّ عامٍ وأنتم بخير.