أقامت اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز ومؤسسة أديان ندوة حول “وثيقة الأخوَّة الإنسانيّة” التي وقَّعها البابا فرنسيس وشيخ الأزهر في دولة الإمارات العربية المتّحدة في 4 شباط 2019، في قاعة مكتبة بعقلين الوطنية، حضرها ممثل شيخ العقل الشيخ نعيم حسن الشيخ الدكتور سامي أبي المنى وممثل النائب تيمور جنبلاط الدكتور ناصر زيدان وممثلين عن كلٍّ من سفارة الإمارات العربية المتّحدة والسفارة البابوية وسفارة المملكة العربية السعودية في لبنان وحشدٌ من رجال الدين والعلماء والقضاة من مختلف الطوائف، وأعضاء من المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز ومن مؤسسة أديان ومؤسسة العرفان التوحيدية ومهتمِّين بشؤون الثقافة والحوار.
افتتح الندوة الشيخ الدكتور سامي أبي المنى رئيس اللجنة الثقافية ناقلاً تحيات سماحة شيخ العقل ومباركته للقاء، وشاكراً كلَّ من لبّى الدعوة، معتبراً “أنّ في التلبية دليلاً على الاهتمام بنهج المصالحة والعيش معاً الذي انتهجه أبناءُ الشوف والجبل قيادةً وفاعلياتٍ دينيةً وثقافيةً واجتماعيةً وتربوية ومواطنينَ خُلَصاء خاضوا التجاربَ المرَّة وعادوا إلى كنف المحبة الجبلية والوطنية، مؤمنين بالمصالحة وبرسالة الحوار والعيش المشترك والأخوّةِ الإنسانية”.
وخاطب إخوانه في المجلس المذهبي لطائفة الموحّدين الدُّروز، قائلاً: “إنّ رسالتنا التوحيدية والوطنية والإنسانية تحملُ في مضمونها رسالةَ الحوار والدعوةَ إلى تعزيز قيم الإيمان الصحيح والأُخوَّة الإنسانية والمواطَنة الصالحة، وإذا كان القدَّاس الذي يُقام اليوم في دير القمر دليلاً إضافياً على طيِّ صفحة الحرب والمآسي التي طويناها نحن من قبلُ صادقين وطواها وليد جنبلاط إلى غير رجعة، مع أمثالِه من القادة الكبار الأقوياء بإرادتهم ومواقفهم وبمن يُمثِّلون، وفي طليعتِهم غبطة البطريرك صفير ومن بعده غبطة البطريرك الراعي، فإنّ اجتماعنا هنا في نفس الوقت حول وثيقة الأخوّة الإنسانية ما هو إلَّا تأكيدٌ على السَّير معاً في نفس المسار والاتِّجاه نحو ترسيخ المصالحة وتجسيدِها ثقافةً وعملاً ونهجَ حياة”.
وتابع: “رسالتُنا هي رسالةُ الخير والمعروف، ونحن بني معروفَ، أهلَ التوحيد، أبناءَ العروبة والإسلام، ونحن أبناءَ الجبل والعيش الواحد المشترَك والمصالحة والتسامح، حملنا تلك الرسالةَ في وجداننا وأعماقنا منذ أن احتضن أجدادُنا الأوائلَ إخوانَهم في الوطنية والعيش المُشترَك، واندمجوا وإيَّاهم في مجتمعٍ واحدٍ موحَّد، لا فضلَ فيه لأحدٍ على أحدٍ إلَّا بالتقوى والمحبة والصدق وحفظِ الأُخوَّة”.
وقال: “إنَّ تنظيمَنا لهذه الندوة حول وثيقة الأخوَّة الإنسانية بالتعاون مع مؤسسة أديان وبمشاركة سفارتَي الإمارات العربية المتَّحدة والفاتيكان لَهو جزءٌ لا يتجزَّأُ من تلك الرسالة التي نحمِلُها معاً ونُناضلُ معاً من أجل نشرها وتعميمِها، وتحويلِها إلى مناهجَ وبرامجَ تربويّةٍ وإعلاميّةٍ واجتماعية، والتي ندعو العابثين بها والمتربِّصين شرَّاً بالنموذج اللبناني وبوحدة الجبل والوطن وبشرقِنا العربيِّ أن يدفنوا أوهامَهم وأحقادَهم ويستبدلوها بشرعة المحبَّة والأخوَّة”.
وختم الشيخ أبي المنى قائلاً: “أمَّا الوثيقةُ التي نحتفي بها اليومَ فهي تتويجٌ لمسيرةٍ حواريَّةٍ طويلةٍ في مواجهة موجات التعصُّب والتطرُّف والإقصاء والتسلُّط واستخدام الدين زوراً لتبرير الكراهيةِ والعنف… هذه الوثيقةُ غنيَّةٌ بمضمونها المؤصَّل والمستندِ إلى رسالة الدين الحقيقية… هذه الوثيقةُ رساليَّةٌ برمزيّتها، وكأنها دعوةٌ إسلاميةٌ مسيحيةٌ منطلقةٌ من أعلى مرجعيَّتَين لأكبر ديانتَين توحيديَّتَين لطيِّ صفحاتِ الحقد والصدام، ولبناء مجتمع التسامح والسلام، وليكونَ كلُّ واحدٍ منَّا مَعنيَّاً بالحفاظ على أخيه الإنسان كحفاظه على نفسِه… وهذه الوثيقةُ أشبهُ بثورةٍ سلميَّةٍ فكريَّةٍ دينيَّةٍ من دولة الإمارات العربية المتَّحدة التي تحتضنُ نهجَ التسامح، ليس فقط في عام التسامح هذا الذي أعلنته قيادتُها الحكيمة، بل إنها تُقدِّم للشرق الأوسط وللعالَم بأسرِه أرقى نموذجٍ للتعايش الكريم الآمن وللحريَّة الدينيَّة والأُخوَّة الإنسانيَّة”.
ممثل السفير الإماراتي
ممثِّل السفارة الإماراتية حمدان الهاشمي اعتبر “أنّ اللقاء مختلف وله طابعه الخاص، وأن الحديث عن السلام هو من أسمى الرسائل التي يمكن للإنسان التطرق إليها. إن صناعة السلم في العالم قد لا تتوَّج دائماً بنتائج نهائية لكن الساعي إلى الخير كفاعله، ونحن في هذا المسار سنبذل كلَّ جهد لإعلاء راية السلام والمحبة، ولقاء البابا فرنسيس والإمام الأكبر شيخ الأزهر ما هو إلَّا ترجمة عملية لمساعينا من أجل تعميم ثقافة السلام”.
وختم بالقول: “لا أشك بأنكم لمستم حرص دولة الإمارات على أن تكون رسالة الأخوّة الإنسانية واضحة المعالم لا يشوبها أي التباس، وقد نصّت الوثيقة على ضرورة أن تتحوّل بنودُها إلى موضع بحث وتأمُّل للخروج بأفكار تطبيقية ومبادرات تتيح تنشئة الأجيال على الخير والسلام”.
من جهته رأى السكريتير الأول في السفارة البابوية إيفان سانتوس أنَّ ما حصل في الإمارات يمثِّل “حاجة ملحّة لكل إنسانٍ اليوم لخلق أرضاً مشتركة تمكنه من سماع الآخر وتسمح بالانفتاح على تقديماته”، وتابع: “إن الوثيقة تدعو للحفاظ على ما هو مشترك بين الأديان وهو الكرامة الإنسانية، والحوار لم يعد نوعاً من الجدل والمفاوضات للوصول إلى تفاهم وللبحث عن نقاط تلاقٍ ولا محاولة لإزالة الفروقات، بل إنه الحضور للتكلم وخلق الحرية وتوليد الأمل، وهذا لا يمكن إلَّا بالأخوَّة”.
وختم مستشهداً بكلام البابا: “لا يوجد بديل، إمَّا أن نبني المستقبل معاً، أو لا مستقبل لنا جميعاً… إن الله مع الذين يبحثون عن السلام، وهو يبارك من عليائه كل خطوة على الأرض في هذا السبيل”.
رئيس مؤسسة أديان الأب فادي ضو تكلَّم عن أهمية الوثيقة وبنودها، مثنياً على دور الإمارات العربية المتَّحدة، ومؤكِّداً على أهمية تجسيد مبادئ الأخوّة الإنسانية واقعاً ملموساً ومناهجَ وبرامجَ عمل، معتبراً أنَّ الوثيقة تعكس روحية هذا الجبل وصورته المبنية على المحبة والأخوَّة والعيش الكريم معاً.
وبعد كلمات الافتتاح كانت هناك ثلاث مداخلات قيِّمة في مضمون الوثيقة للمطران إيلي بشارة الحداد راعي أبرشية صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك، والقاضي الشيخ خلدون عريمط رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام، والشيخ حسين شحاذة أمين عام ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار باسم العلامة السيد علي فضل الله رئيس الملتقى.
ثمَّ جرى تقديم الدروع باسم المجلس المذهبي ومؤسسة أديان للمتكلمين ولمدير المكتبة الوطنية غازي صعب، واختتم اللقاء بكوكتيل الضيافة.